إختار العقيد معمر القذافي بوابة الاتحاد الإفريقي مدخلا لحل الأزمة الليبية التي تتفاقم يوما بعد يوم، واختيار القذافي للاتحاد الإفريقي لم يكن اعتباطا، فللرجل اسهاماته وأفضاله الخاصة على الكثيرين ممن هم الأن على قمة مفوضية الاتحاد الإفريقي، الذي نشأ بمبادرة من العقيد القذافي، على أنقاض منظمة الوحدة الإفريقية، لذلك كان كثير من المراقبين ينتظرون (خطوة ما) من الاتحاد الإفريقي تدعم القذافي، ولا تجرح قيادة الاتحاد مع الغرب الذي تقوده الولاياتالمتحدةالأمريكية، ولا تقلل تلك الخطوة من قيمة الثورة التي تشهدها ليبيا. بالأمس خرج القذافي بخطاب كثف فيه نيران انتقاداته للغرب والحلفاء، وقال فيه إن الحل يجب أن يكون من داخل الاتحاد الإفريقي، مشيرا إلى أن الذي يحدث في بلاده مشكلة داخلية يمكن أن يتدخل الأفارقة لحلها، وشدد القذافي على هذا الموقف وتمسك به، وهو يعلم أن الغرب سيصم أذنيه عما يقول، يسد إحداهما ب(طينة) مناصرة الثوار ودعوى وقف المجازر في مواجهة المدنيين، بينما يسد الثانية ب(عجينة) إقتسام المصالح وتوزيع تركة النظام الآيل للسقوط على الحلفاء، بحيث يجد كل نصيبه في كيكة الثورة التي تنضج على نيران المدفعية والقصف المتبادل، ويلحق الجميع بما تدفع به آبار النفط والغاز الليبي الاعلى جودة وأقل تكلفة بالنسبة لأوروبا لقرب المسافة وقلة تكلفة النقل والترحيل... ويتم إعادة تقسيم النفوذ الغربي من جديد في القارة البكر التي تساوي مساحتها عشرة أضعاف مساحة أوروبا وعشرة أضعاف مساحة الهند. القذافي يعلم أن الغرب لن يتراجع خطوة خطوة واحدة عما أقدم عليه، لكنه يراهن على الاتحاد الإفريقي الذي يعتمد على ليبيا، وعلى العقيد القذافي شخصيا في تسيير الكثير من أعماله وتمويل مؤتمراته، خاصة تلك التي تنعقد ما بين سرت وطرابلس .. والقذافي يعلم أن تغيير النظام في ليبيا يعني بالنسبة للاتحاد الإفريقي وقف الدعم اللامحدود الذي يجده الاتحاد، وقد قال لنا بالأمس السيد جان بينغ رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي إن خمسة وسبعين بالمائة من موارد الاتحاد يوفرها خمس دول فقط هي ليبيا ومصر، والجزائر وجنوب إفريقيا ونيجيريا. خروج القذافي عن خارطة الحكم سيغير كثيرا من الخارطة السياسية والاقتصادية والأمنية في القارة، خروجه سيكون مفيدا للكثيرين بينما يكون مضرا لآخرين خاصة في جوانب الدعم الذي يكون دائما قيمة لفاتورة عالية وباهظة الكلفة… لذلك نجد تحركات الاتحاد الإفريقي تلقي اهتماما بالغا من قبل أعضاء الوفود المشاركة في مؤتمر وزراء المالية والاقتصاد والأفارقة الذي أختتم أعماله أمس في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، وقد سألني صحفي مصري عما يمكن أن تسفر عنه تحركات الاتحاد الإفريقي، فأجبته بأن الوقت قد مضى لطرح مقترحات للحلول، لأن كرة الأزمة الليبية أصبحت أكبر من ملعب الاتحاد الإفريقي… والله أعلم.