يبدو أن المعارضة قد دخلت في سباق محموم مع الزمن، مع بدء العد التنازلي للإعلان الرسمي لانفصال دولة الجنوب في التاسع من يوليو القادم، فأخذت تلهث وتتخبط لكي تنجز أكبر قدر من أجندتها العالقة، والتي لم تستطع إنجازها طيلة الفترة الماضية.. ولأنها في عجلة من أمرها فقد بدا ما تقوم به لتحقيق هدفها الأسمى، وهو إسقاط «النظام» قبل التاسع من يوليو فطيراً حتى الآن. فهي قد دعت إلى خروج الجماهير إلى الشارع وكانت أول من غاب عن الخروج طوعاً واختياراً، سوى «الشيوعي» الذي جاء لكي «يورِّي وشو»، وكتب تلك العبارة التاريخية الدالة علي خلْف الأحزاب الأخرى لوعودها وعجزها عن إتباع القول بالعمل، مروراً بالاتهامات التي أطلقتها الحركة الشعبية للحكومة بزعزعة الأمن والاستقرار في الجنوب ودعم الفصائل المتمردة فيه.. ومع سرعة انكشاف الفرية والفبركة الساذجة للوثائق التي عرضها أمينها العام على وسائل الإعلام، فقد فشلت هذه المحاولة فشلاً ذريعاً في تأليب القوى الخارجية خاصة مجلس الأمن الذي قال إن الوثائق مزوَّرة ولم تتم مناقشتها، وكان مصيرها التجاهل التام وكان المقصود من اتهام الحكومة إعطاء دفعة قوية لمساعي إسقاط النظام.. ولكن الدفع كان في عكس اتجاه ريح المعارضة، حيث كسبت الحكومة الكثير من وراء ذلك وخسرت الحركة والمعارضة بفقدان مصداقيتها. ü والمعارضة الآن تتزعمها الحركة الشعبية ممثلة في ما يسمى بقطاع الشمال الذي يقوده «ياسر عرمان»، الرجل الذي فقد كل شيء وفشل في تطبيق حرف واحد فقط من مانفيستو «السودان الجديد»، الذي من أجله خرج «مناضلاً» في صفوف التمرد. وذات العجلة التي جعلت المعارضة لا تحسن نسج خيوط التآمر وحياكتها باحتراف و «إتقان».. ذات هذه العجلة دفعت بياسر عرمان إلى أن يطلب من أمريكا عدم رفع العقوبات الاقتصادية عن الشمال، وإبقاء اسمه على لائحة الدول الداعمة للإرهاب، وفي الحقيقة فإن عرمان لم يأتِ بجديد، وهذه الفعلة ليست بجديدة منه، فقد ساهم ومعه آخرون أيام التجمع في تأليب واشنطن على السودان بأكاذيب كانت تجد هوى لدى واشنطن.. وذات هذه العقوبات تم فرضها بناء على التحريض الذي قام به نفر غير قليل في الحركة الشعبية والتجمع، وقد اعترف الدكتور «لام أكول») في ندوة العلاقات السودانية الأمريكية قبل عامين تقريباً، والتي أقامها المركز القومي للإنتاج الإعلامي بأنهم أيام النضال في التجمع قاموا بأدوار أسماها سالبة في تشويه صورة الحكومة لدى الأمريكان، مما أدى إلى تبلور مواقف شديدة العداء تجاه الحكومة من قبل شخصيات ومجموعات ضغط أمريكية ترتبت عليها قرارات سالبة عديدة بنيت على معلومات غير صحيحة البتة. وأذكر أن «أكول» قال تعليقاً على ذلك: إنه وبعد توقيع اتفاق السلام، و بعد أن أصبح وزيراً للخارجية وجد صعوبة شديدة وعنتاً كثيراً في إزالة تلك الصورة الذهنية السالبة عن السودان من أذهان عدد كثير من المسؤولين الأمريكان ومراكز ال Think Tanks المهتمة بالشأن السوداني . ü إذن ما فعله عرمان ليس بجديد وهو أمر متوقع منه، فالوقت يمضي ويتسرب من بين يديه ومن خلفه وهو لم يحقق شيئاً مما كان يحلم به، فعند حلول التاسع من يوليو القادم ومع شروق شمس ذلك اليوم يكون نجم عرمان وتابعيه وتابع تابعيه قد أفل، وشمس السودان القديم الذي «برطع» فيه عرمان وسرح ومرح غير مبالٍ ولا خائف بسبب مظلة «نيفاشا» التي كانت تحميه وتمنحه الجرأة والشجاعة الزائفة للإساءة إلى بلده والكيد لأهله- تكون شمس ذاك السودان القديم قد غربت وأشرقت شمس أخرى على «سودان جديد»، سودان تخلص من كل القيود التي كان يرسف فيها بسبب «نيفاشا» تلك القيود التي جعلت حبل صبر«الإنقاذ» يتمدد ويتطاول ليفوق في طوله كل مكائد الحركة وأذيالها من الذين اصطفوا خلفها ورضوا بأن يكونوا تحت رايتها من أحزاب الإطاحة والإسقاط التي أطاحت الحركة الشعبية بآمالها وأحلامها، فذهبت وتركتهم وهم لا يقدرون على شيء مما كسبوا. وعلى الحكومة أن ترفع من سقف توقعاتها ببوائق الحركة الشعبية وكلبها العقور في الشمال، الذى سيزداد سعاراً يوماً بعد يوم مع اقتراب أجل يوم الفصل والمفاصلة في التاسع من يوليو القادم، فلا تذهب نفس الحكومة عليهم حسرات، فالكلب ذُكر مثله في القرآن :«إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث».