في «الزمن الزين» كانت الغنماية تتشابى وتشرب من السحابة.. هكذا كانت تقول الحاجة السُرَّة بت حماد.. ريحانة مجالس حوش بانقا وحبوبة الرئيس وعميدة الأسرة.. جاءت إليها بنت تحمل كباية شاي وقالت لها: «أمي قالت ليك أديني حبة زيت في الكباية دي وبصلة وملح وفلفل وويكة وكراع شرموط!!».. فردت عليها السرة حاضرة البديهة:«هييه يُمه إنتي «وَهَمَانة» أمك ما رسلتك للسرة يا حبيبتي.. أمك رسلتك للدكان!!».. ولمقابلة هذه المطالب غير المنطقية كان لابد من إيجاد العذر لصاحبها بأنه قد اخطأ الفهم أو خارطة الطريق فوقع في الوهم.. ولربما اخطأت المعارضة المطالبة بالاعتصام بميدان «أبو جنزير» العنوان.. فذهبت للسرة بت حماد بدلاً عن الذهاب للدكان.. وكذلك يفعلون عندما يطالبون بحل الحكومة وتشكيل حكومة قومية.. وإعادة كتابة الدستور.. وإلغاء القوانين.. وإعادة الانتخابات.. ومحاربة الفساد وإتاحة الفرصة للشباب وإعادة المعاشيين إلى الخدمة.. وتوفير جميع الخدمات.. وتسريح جهاز الأمن.. وحل المؤتمر الوطني.. وإقصاء الإسلاميين عن المشاركة في العمل العام.. والاعتذار للجنوبيين.. والاستجابة لمطالب حركات دارفور المسلحة.. والتخلي عن الحكم الاتحادي.. وغير ذلك من المطالب المنطقية وغير المنطقية والتي لخصتها السرة بت حماد تحت عنوان «الوهم».. وليس هناك من يأمر الجميع «بحُسن المطالبة ولا بحُسن القضاء».. فليست المعارضة مخطئة على الدوام.. ولا الحكومة مصيبة على الدوام.. وقد كان في مقدور السرة أن تستجيب لبعض المطالب وتسكت عن الباقي.. لكنها حيال سيل المطالب وكثرتها رفضتها جملة واحدة.. كما تفعل بعض دول الاستكبار التي «تدعي الديمقراطية» عندما تتقدم بمبادرة لحل أزمة ما.. فإنها تحرِّم النقاش حولها وتصدرها بجملة مستفزة واحدة «Take it or leave it» فينغلق المسار قبل أن ينفتح!! وعندما تعربد الطائرات الإسرائيلية في الأجواء السودانية وتقصف المدنيين وتقتل المئات في يناير 2009م ولا تجد من يحاسبها.. دعك من أن يعاقبها.. ولا تجد حكومتنا غير مجلس الأمن نصيراً!!.. كان لابد لإسرائيل من تكرار «الحقارة».. فليس هناك ما يردعها ولا من يقتص منها.. مع أن حكومتنا تحتفظ لنفسها «بحق الرد!!» تلك العبارة الدبلوماسية «الخانعة»!!.. صحيح أنه ليست لدينا ذراع طويلة لضرب العمق الإسرائيلي.. ولا وسيلة لتهديد المصالح الأمريكية الإستراتيجية في المنطقة.. لكننا لا ولن نعدم حيلة لإبراز عضلاتنا والتكشير عن أنيابنا.. فالمنظمات الإقليمية والدولية التي ننتمي إليها.. لديها الكثير مما تفعله.. حتى أننا لم نلتفت للداخل واكتفينا بتوجيه الإتهام لإسرائيل العدو المغتصب!!.. فالسرة بت حماد تعلم بأن الطابور الخامس هو المتهم الأول.. إذ أنه لن تتمكن أي تقنية أو صواريخ ذكية أن تصيب هدفاً بدون معاونة أرضية وجواسيس يمدونها بالمعلومات ويلصقون الكبسولات أو يضعون الإشارات والهواتف النقالة «فوق الهدف» الذي تدونه الصواريخ والقنابل الذكية.. وغالباً فإن سماسرة السلاح أو تهريب البشر يلعبون دوراً مزدوجاً في هذه اللعبة القذرة.. بل إن أصابع الاتهام تشير إلى مسؤولين كبار يقومون بهذه العمالة الرخيصة.. ومع ذلك فإن أرواح ركاب السوناتا التي احترقت في «كلانيب» قرب مطار بورتسودان الدولي.. قد راحت هدراً وقد بشرتنا لجنة الأمن بأن الطريق سالكة وأن حركة المرور لم تتأثر وكأنها عربة أمجاد أو فلوكسواجن احترقت من تلقاء نفسها كما يحدث لهذه العربات.. ولا ندري إن كان هناك مسؤول عسكري أو أمني قد استقال لإخفاقه في حماية أجوائنا في منطقة كالمطار الدولي وفي الميناء الرئيسي والمنطقة الحيوية للصادر والوارد والبترول!! حتى لو كان في السيارة المستهدفة عبد اللطيف الأشقر القيادي بحماس أو شحنة أسلحة في طريقها إلى غزة أو أفارقة بصدد الهجرة غير الشرعية للدولة العبرية الصهيونية!!.. فإن المسؤولية الداخلية لابد أن تقع على جهة ما.. لكن في فمنا ماء!! إن المطالب غير المنطقية.. أو التبسيط المخل للأزمات الكبرى يعيدنا لأوهام مطالبة السرة بت حماد أن تتحول من ربة منزل إلى سيد دكان.. وليس أمامها إلا أن تقبل المطالب جملة واحدة أو ترفضها جملة واحدة.. مع أن السياسة في تفسير جوهرها هي فن الممكن.. فما لا يدرك جُله لا يترك كله والعكس صحيح.. ألتقت السرة بت حماد بإمرأة من معارفها مصادفة فقالت المرأة «يا السرة إنتي ما جيتينا في بكانا أنا مارايداكي بكا».. فاعتذرت لها السرة مرة بالمرض ومرة بالسفر ومرة بعدم السمع ومرة بالمشغولية.. والمرأة تفند للسرة حججها الواحدة تلو الأخرى.. وهنا حسمت السرة النقاش قائلة «هوي إنتي رايداني بكا ولا رايداني قروش.. وكت يموت لينا زول ما تجي».. وهكذا احتفظت لخصمها «بحق الرد!!».. وكانت السرة قد وقعت في حيرة من أمرها عندما أصبح عمر البشير رئيساً فقالت «هسع عمر ده بيصرف ماهيتو من وين؟».. لأنه أصبح رئيساً فهو بالتالي ما عنده رئيس يصرف له ماهية!!.. لكن شقيقتها أسعفتها بجواب شافٍ.. عندما قالت لها «عمر شغال مع مجذوب ولدي».. مجذوب كان يعمل فرد أمن في الحصاحيصا!! فاطمأنت السرة على عمر.. الله يكفي شرك يا صديق حسن.. والتحية لناس الحوش.. وهذا هو المفروض