شهدت مدينة كسلا في 1932م ميلاد طفل أطلق عليه والده القاضي عبد الله الترابي، اسم حسن.. ولم يكن يدري أن هذا الطفل سيكون قاسماً مشتركاً في جميع مراحل السودان السياسية، وقد حظي الرجل بتحصيل أكاديمي في مدرسة حنتوب الثانوية العليا التي عرفت كإحدى أهم المنارات التعليمية في السودان، و إحدى أهم مدارسه النموذجية، ومن ثم درس الحقوق بكلية القانون جامعة الخرطوم.. وبعدها حصل على الماجستير من جامعة اكسفورد.. ونال درجة دكتوراة الدولة من جامعة السوربون في باريس عام 1964م، وعمل الترابي أستاذاً في جامعة الخرطوم، ثم عين عميداً لكلية الحقوق وبعدها تقلد منصب وزير العدل، وفي العام 1988م عين وزيراً للخارجية. وعلى المستوى التنظيمي أصبح الدكتور أحد أعضاء جبهة الميثاق الإسلامية التي كانت تمثل أول حزب أسسته الحركة الإسلامية السودانية والتي كانت عبارة عن نافذة فكرية لحركة الأخوان المسلمين.. وعرف لدى الجميع بأنه مخطط انقلاب الإنقاذ وعرابه الفكري، وقد اختير الترابي رئيساً للبرلمان في العام 1996م. وفي العام 1991م وبعد المفاصلة الشهيرة التي قسمت المؤتمر الوطني إلى نصفين أحدهما يوالي الرئيس البشير فيما عرف بمعسكر القصر، والآخر انحاز إلى عراب الإنقاذ وعرف بمعسكر المنشية. أسس الشيخ حسن الترابي حزب المؤتمر الشعبي وبدأت خلافاته مع المؤتمر الوطني ووصلت إلى درجة التصادم والاعتقال المتكرر له ولعناصر المؤتمر الشعبي، وقد شملت الخلافات قضايا الفساد والشورى والحريات. واستمرت الاعتقالات للدكتور الترابي وكان آخرها اعتقاله في الشهر الماضي من قبل السلطات الأمنية بالسودان بعد أن قالت السلطات حينها، إنها حصلت على وثائق ومعلومات تؤكد دور حزب المؤتمر الوطني الشعبي بزعامة الترابي، في دعم وتمويل أنشطة تسعى لتقويض النظام. وتطورت الأحداث بعد نقل زعيم المؤتمر الشعبي إلى مستشفى ساهرون التابع لقوات الشرطة لتلقي العلاج من وعكة صحية طارئة ألمت به وهو في معتقله، بنقله إلى الخارج لتلقي العلاج والسماح لطبيبه الخاص بمقابلته. وبحسب النسخة الإلكترونية من صحيفة الرياض السعودية.. فإن نجل الدكتور الترابي صديق قال إن الأسرة اطمأنت على والده بعد نقله للمستشفى وإنه بخير بعد تعرضه لحادث بسيط داخل المعتقل مما يتطلب إجراء فحوصات خارج المعتقل بواسطة أجهزة وتجهيزات طبية غير موجودة داخله.. وطالب صديق الترابي الحكومة والسلطات المختصة بهذه الفحوصات. وعبر الهاتف تحدثت إلى نائب الترابي عبد الله دينق نيال فقال لي: من المفترض أن يكون قد أطلق سراحه قبل فترة وفقاً لقانون الأمن الذي تعمل به السلطات.. هو وجميع المعتقلين معه، والذي يحدد فترة الاعتقال الأول ب«45» يوماً وبعدها إما أن يقدم للنيابة إذا كان هناك ما يستدعي.. أو أن يتم إطلاق سراحه. وحسب عبد الله دينق فإن الاعتقال من البداية كان خاطئاً حسب القانون، ولذلك يجب إطلاق سراحه وجميع المعتقلين من جميع الأحزاب السياسية والأفراد الناشطين في العمل السياسي.. خاصة وأن الشيخ حسن على وشك بلوغ الثمانين وفقاً للتقويم الميلادي وقد بلغها بالفعل وفقاً للتقويم الهجري، إضافة إلى الظروف الصحية التي يمر بها، وكذلك يجب أن لا ينسوا توقير شيخهم ومرشدهم الذي كان سبباً قوياً في وصولهم إلى هذه المواقع والمناصب. وتحدثت إلى الدكتور إسماعيل الحاج موسى القانوني المعروف والقيادي بالمؤتمر الوطني عن رأيه في مسألة اعتقال وإطلاق سراح الدكتور الترابي فقال لي إن المسألة تخضع إلى بعدين، أولاً الجانب الأمني والمتعلق بجهاز الأمن ومبررات اعتقال الدكتور الترابي، وهذا نحن لا تتوفر لنا عنه معلومات كافية.. وكما هو معروف فإن أي نظام لا يفرط في أمنه وسلامة مواطنيه. أما في الجانب الآخر فقد قال لي الدكتور إسماعيل الحاج موسى إنه دائماً ليس من مصلحة أي نظام أن يلجأ للاعتقال، لأن حجم الضرر من ذلك أكبر من المتوقع من خطر الشخص على الأمن القومي. ويقول الحاج موسى إنه شخصياً يرى أن الضرر الذي يمكن أن يعود من اعتقال الترابي أكبر.. رغم أن المؤتمر الشعبي أعلن ما يشبه الحرب الشعواء على الحكومة.. ولكن هذا يمكن أن يضاف إلى التهديدات التي تطلقها أحزاب المعارضة صباح مساء.. والتي يمكن التعامل معها إذا تجاوزت التهديدات وفقاً للدستور والقانون الذي يجب التعامل به مع اعتقال الترابي، فإذا كانت أجهزة الأمن لديها معلومات واتهامات فيجب تقديمه للمحاكمة.. وإذا كانت هناك تهمة واضحة فلتذكر.. وإلا فإنه يجب إطلاق سراحه. وتبقى جميع الاحتمالات مفتوحة بشأن استمرار اعتقال الدكتور الترابي أو إطلاق سراحه.. مع توقعات بأن يتم ذلك خلال الأيام القادمة.