كنت عائداً الى منزلي بأم درمان بعد أن ألقيت محاضرة عن تطور الأحداث في ليبيا وأثرها علي السودان، لطلاب أفاضل، ليتمكنوا من صقل موهبتهم العملية مع موهبتهم الثقافية، وكان معي الأخ الأستاذ ابراهيم جمعة، فطلبت منه شراء جريدة آخر لحظة لأنني لا أستطيع أن أعود الى منزلي بدونها، وفجأة وجدت فيها مقالاً للأخ الكاتب محجوب فضل بدري تحت عموده،، ولكن المفروض،، بعنوان مصطفى الفقي للجامعة العربية، يؤيد فيه وبشدة ترشيح مصر للسيد مصطفى الفقي كأمين عام لجامعة الدول العربية، ولم أصدق عيني التي قرأت بها الخبر، ولكن عندما تحسستهما وجدت فعلاً بأني ألبس نظارتي الطبية، وبأن الخبر صحيح مائة المائة. لذلك سأقول للسيد بدري، وبكل صراحة لقد قتلت السودان بل طعنته بخنجر في صدره، وأنت لا تدري، بأنك لا تدري ما هو هدفك من تأييد ترشيح السيد مصطفى الفقي المصري الجنسية، كأمين عام لجامعة الدول العربية، ولديك مرشح سوداني أصيل سبقه في الترشيح وهو الدكتور مصطفى عثمان اسماعيل، مستشار رئيس الجمهورية حالياً، والوزير الأسبق لوزارة الخارجية، لقد كان الدكتور مصطفى عثمان هو الساعد الأيمن للسيد عمرو موسي الأمين العام لجامعة الدول العربية، وأنت لا تدري.. حيث رافقه في معظم جولاته حول العالم لحلحلة قضايا الدول العربية العالقة، وأنت لا تدري، وقد كان السيد عمرو موسي يقدره ويمجده، ويحترمه، وأنت لا تدري، وعندما تنحى السيد الدكتور مصطفى عثمان من منصبه كوزير للخارجية ليناله السيد الدكتور لاما كول مرشح الحركة الشعبية وفقاً لإتفاقية نيفاشا 2005 م، كان السيد عمرو موسى من أكثر الناس الذين تألموا لاختفاء الدكتور مصطفى عثمان من جامعة الدول العربية، وأنت لا تدري، فقد كانت علاقة السيد عمرو موسى مع الدكتور مصطفى عثمان في القمة، وبالتالي كانت علاقته بالسودان في نفس القمة.. ومن أجمل الوقائع الظريفة في هذا الموضوع عندما سأل السيد عمرو موسى الدكتور مصطفى عثمان اسماعيل بطريقة المصريين اللطيفة عن وزير خارجية السودان الجنوبي الجديد: (وطيب ده يتفاهموا معاه إزاي؟ )، فرد عليه السيد الدكتور مصطفى عثمان بنفس اللطافة (ده بيعرف عربي أحسن مني ومنك)، وقد أثبتت الأيام ذلك، حيث يعتبر الدكتور لام كول من أميز السودانيين الذين يتكلمون اللغة العربية بطلاقة.. أخي بدري أريد أن أسألك سؤالاً أرجو أن تجيب عليه بكل صراحة،،، ماذا يساوي لنا نحن كسودانيين ترشيح السيد مصطفى الفقي كأمين عام لجامعة الدول العربية، ولدينا السيد الدكتور مصطفى عثمان؟ ماذا عمل لك السودان لكي ترفض أو تتقدم أنت بنفسك باقتراح لترشيح دبلوماسي مثل الدكتور مصطفى عثمان، أو مفكر ومنظر مثل السيد الصادق المهدي، أو سياسي وعسكري مثل الفريق أول عبدالماجد حامد خليل، أو مثقف ونابغة كالدكتور لاما كول، أو سياسي ومحارب كالسيد علي كرتي،،، ألخ.. والقائمة بالطبع ستطول، وأنت تعلم بأن لائحة المبدعين السودانيين لا حدود لها. أخى بدري أنت أعلم مني بأن التربية الوطنية، وحب الوطن هو أغلى ما يمتلكهما المواطن تجاه وطنه، وصدقني يا أخي العزيز لن يؤيدك أي مصري إذا قمت بترشيح السيد الدكتور مصطفى عثمان أو أي شخصية سودانية أخرى ضد السيد مصطفى الفقي أو أي شخصية مصرية أخرى، وهذا هو المفروض كما تقول أنت بنفسك سيدي، فكل منا يجب أن يحب وطنه، ويفديه بالغالي والنفيس.. وهذا يسمي حب الوطن وتقديره واحترامه لأنه الوطن، ثم ثانياً: نحن كصحفيين وكتاب يفترض أن يكون لدينا الوعي التام بأن لا نقحم أنفسنا في مثل هذه المواقف، التي ربما أدت الى اتهامنا بأن هناك شيء ما في تلك الوقفة غير المبررة، ويجب أن لا ننسى بأن هناك مرشحاً لمجلس التعاون الخليجي وهو السيد عبدالرحمن العطية، الذي تقول عنه أنت بنفسك بأنه رجل فاضل وفاعل، وبأنه يتبوأ الآن منصب الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي، وهذه معلومة غير صحيحة قد تكون (غلطة مطبعية)، فالسيد عبدالرحمن العطية قد أنهى الفترة المحددة له كأمين عام لمجلس التعاون الخليجي، ويستعد الآن ليرشح نفسه لمنصب الأمين العام لجامعة الدول العربية، وأزيدك علماً سيدي، بأنه من أقوى المرشحين لهذا المنصب، ولربما كان هو الأمين العام القادم، لأنه كان يستعد لذلك قبل سنتين تقريباً، ولكنني لا أريد أن أخوض في هذا الموضوع الآن، لأنني سأقف مع المرشح السوداني بقوة، قلباً وقالباً، مهما كان لونه السياسي، طالما قدمه السودان لينال حظه في الترشيح. سيدي بدري، الواجب عليك أن تعتذر الى الشعب السوداني دون مماطلة أو تسويف، لأن السودان قد تأذى من اقتراحك بترشيح السيد مصطفى الفقي كأمين عام لجامعة الدول العربية، ولدينا الآلاف من السياسيين والمثقفين والعلماء والأساتذة الذين يمكن ترشيح واحد منهم كأمين عام لجامعة الدول العربية، والذين نثق فيهم وفي مقدراتهم أكثر من ثقتك في السيد مصطفى الفقي، الذي أدخلته من باب الفقه العلمي في بداية مقالك، ثم رشحته كأمين عام لجامعة الدول العربية في نهاية مقالك، ويجب أن تعلم سيدي بأن السودان بخير والحمدلله، ويمتلك ما تريده الجامعة العربية من كوادر من الجنسين إذا أردت ذلك.إن جمهورية مصر الشقيقة في عيون كل السودانيين، ولا شك في ذلك، كما لا تحتاج علاقتنا معها الى وسيط أو طبال، فهي علاقات أزلية، ولمصر الحق في أن ترشح من تشاء لمنصب الأمين العام لجامعة الدول العربية، فهذا حقها، كما هو حق للسودان أيضاً، ولكن المنطق يقول بأن من حق كل مصري أو سوداني أن يساند مرشح بلاده، ويحاول أن يعضده، ويضخمه، ويؤيده لينال شرف هذا المنصب الرفيع، ولا يمكن لكاتب عمود في أكبر الصحف السودانية أن يسخِّر عموده لتأييد مرشح غير سوداني في ترشيحات أممية، وهذه هي المصيبة.