الشخصية السودانية جُبلت على التواضع والبساطة، وتكوينها النفسي والوجداني يهرب من منصات «البهرجة» و«الأضواء» وحالة «شوفوني».. وهي بعيدة عن دنيا الذات ودائمة الهروب من «ساحات» التكريم و«التبجيل».. هي بسيطة وممتدة في« السماحة» والطيبة كالأرض التي نعيش عليها ونتنفس. ورثنا هذه الخصال من أسلافنا وتوارثناها جيلاً بعد جيل، وربما يحملها أبناؤنا من بعدنا أو لا يحملونها.. -وأرجح الفرضية الأخيرة- وهي ميزة عرفناها عن أنفسنا وعرفتنا بها شعوب العالم من حولنا! ولهذا أضحى التكريم عند السودانيين أمراً غير مرغوب فيه وينفرون منه لتعارضه مع نظرتهم المركزية.. ويقولون في المثل «يوم شكرك ما يجي».. وهذا يعني إن هذا الانسان إذا جاء بما يستحق التكريم والتقدير، فإننا لا نقول له أحسنت إلا في حالة انتقاله للدار الآخرة أو إلى كرسي المعاش وهذا على أقل الفروض. وجرت محاولات كثيرة لتغيير هذه المفاهيم.. ولعلنا نتذكر مجهودات أستاذنا الراحل حسن ساتي وهو يبتدع تكريم الأستاذ وردي في حياته بطريقة مخالفة لطريقة تكريم الخشب والدلاقين.. وربما لم تسعفه الحياة والأيام لاتمام الفكرة ولكنها على أي حال ترسخت وأصبحت تجد التطبيق على النحو الذي شهدناه أمس في الحفل البهيج الذي أقامته نقابة العاملين ب(آخر لحظة) لتكريم الأستاذ هساي «الصحفي الرقم» ورئيس القسم الرياضي بآخر لحظة، بعد التكريم العربي الكبير الذي وجده بعد اختياره ضمن أحسن عشرة صحفيين رياضيين عرب، والذي جرى مؤخراً في المغرب. الآن جاء «يوم شكر» هساي وهو يستحق بما قدم للصحافة السودانية كلها وليس الرياضة وحدها.. وقد قلت كلاماً كثيراً في حقه بما يستحقه للإذاعة الرياضية والتي استضافتني أمس للحديث حول مغزى التكريم.. ونحن نفتخر بأننا عملنا مع الأستاذ هساي ولمسنا عن قرب تواضعه وحبه وإخلاصه الشديد لمهنته.. فالصحافة عنده رسالة والتزام قبل أن تكون وظيفة أو أكل عيش.. لقد أعطى «40» عاماً من المسيرة.. فأعطته الريادة لمدرسة خاصة لا تعرف الانتماء الضيق الذي نعرفه في الوسط الرياضي السوداني «هلال مريخ» فعندما كان رئيساً لجريدة الهلال لم يحس الناس بوجود هذه «الهلالية»عنده، بل عرفوه قلماً متوازناً بميزان الذهب. الحديث عن هساي الصحفي الرياضي ومالك ومؤسس العديد من الصحف الرياضية والأكاديمية التي تخرجت منها الكثير من الأجيال التي تملأ الساحات الصحفية داخل وخارج السودان كثير ولا تسعه هذه المساحة. وفي حياتنا نصادف الكثيرين من الذين يركبون «مكنات» أكبر منهم ومن قدراتهم وامكانياتهم.. ولكن هساي صاحب مكنة خاصة ومتميزة «مكنة يابانية» اصيلة وعصية على التقليد!! تكريم هساي هو رسالة مختصرة للجيل الحالي من الصحفيين مفادها أن الصحفي الرسالي سيصل حتماً إلى قمة الجبل!!