إن العدوان الغاشم والظالم الذي تشنه اليوم دول الغرب مجتمعة ومن خلال قلعتها العسكرية الحلف الأطلسي الذي يضم الاتحاد الأوروبي والولاياتالمتحدةالأمريكية وكندا، لحدث تاريخي خطير وهام ينبغي أن يكون موضع بحث وتفكير واسع وفي إطار مختصين مثل اتحاد الكتاب ومراكز البحث وأساتذة الجامعة يشارك فيه عدد من ذوي الرأي السديد والمتخصصين في الشئون السياسية والإستراتيجية. وللأمانة حاولت جهدي منذ بداية الأزمة بالاتصال بعدد من الكتاب والمثقفين ومن خلال المنظمات الأهلية، لكنني لم أجد التجاوب المناسب ربما لسرعة الأحداث وتطورها التراجيدي، وربما أيضا لأننا لم ننجح في خلق مؤسسات متخصصة وفاعلة، ولسائل أن يسأل أين اتحاد الكتاب وعلاقاته العربية والدولية وشعبنا يقتل ويجلد وتزور الحقائق حوله؟ لذلك صممت على إبداء وجهة نظري المتواضعة على ما في ذلك من إقرار مسبق بأنه مجرد اجتهاد لحظوي خاضع للنقد والتصويب. واليوم سأقف في هذا المقال على محاولة فهم خلفية الأحداث وسياقها ولماذا يوجه هذا العدوان البربري ضد شعب صغير، ويتعرض لخيانة الأنظمة العربية التي كان عليها أن تكون أداة حوار سلمي وليس محرض على القتال والطلب من الغرب الامبريالي للعدوان عليه، تحت ذريعة حماية المدنيين مع التأكيد هنا أننا مع الحرية وسيادة الشعب وضد الاستبداد ولكن لابد أن يكون ذلك في إطار حق كل الشعب وفي مناخ سلمي بعيد عن العنف والعدوان ولا يمكن لعاقل أن يقبل بتلك الذريعة وكل دول الغرب والأنظمة العربية التابعة مجندة لدعم مجموعة بكل السبل بما فيها العدوان العسكري، حتى ولو حملنا ذلك على أنهم تم الاعتداء عليهم، فحقهم دائما في إطار حق الشعب العربي الليبي وليس قبله أو فوقه. إذن ما كنه هذا العدوان ولماذا يتجند كل الغرب ومعظم الأنظمة العربية ويشنون عدوانا همجيا على الجماهيرية بذرائع لم تعد تنطلي على أحد بل وتحت البند السابع بعد أن تم تطويع مجلس الأمن للهيمنة الغربية. لذلك سأتحدث في هذه المقالة عن النقاط التالية: ü ما كنه المجتمع الدولي اليوم، هل تخلص فعلا من شرور الاستعمار وثقافة الغرب القائمة على القوة والعنصرية وعدم الاعتراف بالآخر، خاصة العرب والمسلمين، أم أنه انعكاس لكل ثقافة الغرب العدوانية. üما دور حلف الأطلسي وحدوده وأين يقع الوطن العربي وأفريقيا في مخططاته. üعلاقة الحلف الأطلسي بدول الخليج التي وقعت في اسطنبول عام 2004 اتفاقا للشراكة لكي تستظل بمظلة الأطلسي. üهل ستكون الحرب التي تشن على ليبيا اليوم مماثلة لشن الحرب العالمية الأولى التي شرعت للاستعمار، أم حرب السويس التي وضعت حدا للاستعمار؟! üالغرب يوظف القوة للسيطرة على النفط والموقع الاستراتيجي، استباقا لتعدد الأقطاب العالمية: في البداية وقبل الدخول في تحليل هذه النقاط للتعرف على الخلفيات وسياقات الأحداث ومخاطر الأوضاع العالمية لابد من الإشارة السريعة إلى ما يعانيه العالم وخاصة الغرب من أزمة مالية خانقة واكتشاف الغرب أنه على الرغم من السيطرة السياسية والنفوذ الواسع فقد أصبح مكشوفا خاصة في مجال « الطاقة » ومن جهة أخرى فإن حراكا عالميا مضنيا يتجه نحو تعدد الأقطاب وفي مقدمتها روسيا والصين كقوى تملك الجاهزية وقوى أخرى تشكل للغرب هاجسا تاريخيا وهي وإن لم تتمحور بعد حول دولة قوية وقائده ( العرب والمسلمون ) فإنهم رصيد لذلك الحراك بل ومدماك في صلب المقاومة التاريخية ضد عدوانية الغرب. من هنا ومنذ انهيار الاتحاد السوفيتي مع بداية تسعينيات القرن العشرين فإن هاجس الغرب المركب هو السيطرة على النفط وضرب اللحمة بل الوحدة الثقافية الاجتماعية العربية منعا لأي توحد سياسي، ومن جهة أخرى توظيف ذلك في مواجهة صراع الأقطاب بالهيمنة على هذه المنطقة الغنية بالنفط والهامة استراتيجيا. ولابد من الرجوع لاندلاع الثورة في إيران عام1978 ثم الحرب التي نشبت بين العراق وإيران عام 1980 ودخول العراق للكويت والحرب التي شنت عليه وحصاره حتى غزوه وبقوة السلاح واستعماره عام 2003 يدخل في هذا التحليل قرار الغرب السيطرة على النفط والموقع الاستراتيجي للوطن العربي, والقضاء على أخر القلاع القومية وذلك بعد أن تم استئصال ثورة 23 يوليو وفرض سياسة معسكر داوود التي انتشرت كالسرطان من أوسلو إلى وادي عربة والتي وجدت فيها دول الخليج الفرصة التاريخية للثأر من الحركة القومية العربية فتعهدت بمؤازرة الغرب بكل السبل وتم محاصرة سوريا وإرباكها في لبنان وإشغال الجزائر بأوضاعها الداخلية خوفا من دورها وتأثيرها والقضاء على جبهة الصمود والتصدي فانهارت الدفاعات الوطنية الغربية. واليوم وبعد سنتين من الأزمة المالية الخانقة التي فرضت تدوير أموال دول الخليج لمساعدة أصدقائهم في الغرب، وصمود الدول النفطية الوطنية وفي مقدمتها الجماهيرية وفنزويلا وإيران داخل الأوبك، وتحكم الجماهيرية في إنتاج نفطها بقدر احتياج هذا الجيل ورفضت سياسة الشركات الاحتكارية والدول الغربية مرة بعدم رفع الإنتاج ومرة أخرى بعدم السماح لها إلا بحقها فيما تعطيه لها عقود العمل بنسبة لا تزيد عن 20% ومن جهة ثالثة الرصيد المالي الذي راكمته الجماهيرية وهو ما يزيد عن مائتي مليار دولار ومن غير ديون أو قروض ,وإذا كان ذلك في بلد ( قارة) مشاطئ لدول جنوب أوروبا وبعدد سكان قليل، فإن ذلك في نظر الغرب فرصة ذهبية، في وقت نجحت فيه الجهود للإطاحة بالنظامين التونسي والمصري لأن يتحرك للاستيلاء على ليبيا وكان المدخل معروف حقوق الإنسان واتهام النظام بضرب مواطنين في بنغازي بالدبابات بل وقيل بالطائرات، وتحركت ( الارمادا ) الإعلامية لإعداد المسرح قبل أن يصدر قرار مجلس الأمن خلال أسبوع، في حين كان العدوان على غزة منذ عام 2008 ولا قرار حتى اليوم.إذن لابد أن يتأكد جميع العرب الليبيين، مهما كانت خلافاتهم ووجهات نظرهم والتي يمكن إيجاد حل سلمي لها بالحوار والديمقراطية، إن العدو يستهدف وحدة ليبيا ونفطها وموقعها الاستراتيجي، والقضاء على انجازاتها. وعودة إلى تحليل النقاط التي تم تحديدها في صدر المقال وتأكيدا على هذا الاستخلاص: أولا: ما كنه المجتمع الدولي اليوم، وهل حقا تخلص العالم من شرور الاستعمار وما علاقة ذلك بالثقافة الغربية التي تقوم على عنصري القوة وعدم الاعتراف بالآخر. سبق لي أن ذكرت في مقالات سابقة أن العالم لا يزال يدور في فلك الغرب ثقافة وسياسة ويعيد إنتاج سياسات النهب والغزو والعدوان وبالتالي فإنه بعد انهيار الاتحاد السوفيتي وسيطرة الغرب على مجلس الأمن لم يعد لكلمة ( المجتمع الدولي ) أي مضمون، بل إنها تستخدم لتضليل الرأي العام وتزييف الوعي وأن مدلولها الحقيقي هي السيطرة الغربية من خلال الولاياتالمتحدةالأمريكية على مجلس الأمن وفي مواجهة الأزمة العالمية الاقتصادية وخاصة المالية الأخيرة، وبروز أقطاب عالمية جديدة مثل روسيا والصين والهند والبرازيل وعودة وعي التحرر كمقاومة للإمبريالية من شرق آسيا مرورا بالوطن العربي والعالم الإسلامي وصولا إلى أمريكا الجنوبية ولابد هنا بالإشادة بالمقاومة في فلسطين ولبنان والعراق وأفغانستان.