تذكرت عند حلول ذكرى استشهاد الإمام الحسين رضي الله عنه، في العاشر من محرم، والتي أصبحت احتفالية راتبة لدى طائفة الشيعة، يسترجعون فيها مشاهد استشهاده النبيل، ويعبرون فيها عن حبهم الذي لا تحده حدود لآل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، تذكرت ذلك العمل الإبداعي الرائع الذي جسد واقعة ثورة الإمام الحسين على الحيف والظلم، وصور المشاهد البطولية والمأساوية في الوقت نفسه، والتي كانت خاتمتها استشهاده النبيل.. ذلكم هو ثنائية - ثأر الله: الحسين ثائراً.. والحسين شهيداً - للشاعر المُجِيد، والكاتب الكبير، الأستاذ عبد الرحمن الشرقاوي.. وتحتل واقعة استشهاد الإمام الحسين مساحة كبيرة في وجدان كل المسلمين، على اختلاف انتماءاتهم الطائفية، ولعل تفاصيلها قد اندرجت في لحمة المعارف الشعبية من خلال مفهومها وسياقها الملحمي، الموشح بمحبة آل البيت.. وتبلور الثنائية في تجلياتها الإبداعية -حرية الكلمة مستخلصة من واقعة رفض الحسين إعطاء البيعة ليزيد بن معاوية سنة 60ه، واستشهاده في كربلاء، وهو متجه إلى الكوفة تلبية لمكاتبات وصلت إليه من أهلها تدعوه لإنقاذهم من يزيد ومن عماله، وتؤيِّد مبايعتهم له-. وبطل هذه الثنائية (-الحسين ثائراً- و-الحسين شهيداً-) هو سيد الشهداء الحسين بن علي ، وتبدأ المسرحية بموت معاوية -بعد أن أخذ لابنه يزيد البيعة من أقطاب المسلمين، أخذها بالسيف أو بالذهب أو بهما معاً، ووجد الحسين أنه أمام اختيارين لا ثالث لهما، إما أن يشتري حياته وحياة أهله، ويخضع لما يُطلب إليه من مبايعة يزيد، وإما أن يُعرض عن هذا كله، ويترك للسيف أن يحكم بينه وبين هذا الشر المستطير-.ويختار الحسين أن يُقاوم هذا الشر المستطير، وينطلق إلى مصيره الذي ينتظره، وهو الاستشهاد بعد صراع طويل مع النفس.. ويعتبر هذا العمل من أميز الأعمال الإبداعية التي شهدها العقد السابع في القرن الماضي، كما يعتبر الشرقاوي من أبرز الأدباء والكتاب الذين راهنوا على غرس بذور الثورة، وحقنوا شرايين أعمالهم الإبداعية، بمنظومة القيم، التي تدعو لرفض الحيف والظلم والاستعباد والسخرة.. تخرج في كلية الحقوق ، وعمل فترة بالمحاماة، ولكن هاجس الكتابة دفعه لامتهان الصحافة، حيث عمل كاتباًصحفياً في: مجلة الطليعة، ثم مجلة الفجر، فصحيفة الشعب ثم صحيفة الجمهورية ، ثم شغل منصب رئيس تحرير روزاليوسف، ثم عمل بعدها في جريدة الأهرام ، كما تولي عدداً من المناصب الأخرى، منها: سكرتير منظمة التضامن الآسيوي الأفريقي، وأمانة المجلس الأعلى للفنون والآداب. من أشهر أعماله مسرحية الحسين ثائرا ،ومسرحية الحسين شهيدا ومأساة جميلة عن الجزائرية جميلة بوحيرد، ومسرحية الفتى مهران، والنسر الاحمر، وأحمد عرابي، أما في مجال التراجم الاسلامية فقد كتب محمد رسول الحرية، والفاروق عمر، وعلى إمام المتقين. حصل عبدالرحمن الشرقاوي على جائزة الدولة التقديرية في الآداب عام 1974 والتي منحها له الرئيس السادات ، كما منحه معها وسام الآداب والفنون من الطبقة الأولي. في إهدائه مسرحية الحسين ثائراً لأمه، قال عبد الرحمن الشرقاوي: إلى ذكرى أمي أهدي مسرحيتي ( الحسين ثائرا ) و ( الحسين شهيدا ) لقد حاولت من خلالهما أن أقدم للقاريء والمشاهد المسرحي، أروع بطولة عرفها التاريخ الإنساني كله، دون أن أتورط في تسجيل التاريخ بشخوصه وتفاصيله، التي لا أملك أن أقطع فيها بيقين إلى ذكرى أمي التي علمتني منذ طفولتي أن أحب الحسين ذلك الحب الحزين الذي يخالطه أغلب الإعجاب والإكبار والشجن ويثير في النفس أسى غامضا وحنينا إلى العدل والحرية والإخاء وأحلام الإخلاص ). وهذه بعد؛ نماذج مشرقة مما ورد بالمسرحية الأولى : الحسين ثائراً.. الحسين: بان الرشدُ من الغيّْ وهداني جدِّي للرّأْيْ غفوْتُ قليلاً فحلُمْتْ حلمتُ بجدِّي يأمرُني ألاّ أقعدَ عنْ باطِلْ ورأيْتُ أبي يبتسمُ إليَّ ويدْعوني وأُمِّي تنْتظرُ قدومي وحلمْتُ بعمِّ أبي حمزةْ زينب: (تُقاطعه، وهي تتماسكُ لكيْلا تبكي) لا توجعْ قلبي نحنُ فداؤكْ الحسين: (مستمرا) يُناديني بأبي الشُّهداءْ وبشَّرني جدِّي بمكانٍ في الجنّةِ قُربَ مكانِه إذا ما استشْهدْتُ دفاعاً عمّا جاءَ لتِبْيانِهْ إنني أخرجُ كيْ أُنقذَ أعناقِ الرجالْ إنني أخرجُ كيْ أصرخَ في أهلِ الحقيقةْ أنقذوا العالمَ، إن العالمَ المجنونَ قدْ ضَلَّ طريقَهْ أنقذوا الدُّنيا من الفوضى وطُغيانِ المخاوفْ أنقذوا الأمة منْ هذا الجحيمْ..