(هبت الخرطوم) لم أجد عنواناً أحسن من هذا أُأبن به صديقي الراحل الشاعر الكبير عبد المجيد حاج الأمين، ذلكم الرقم الكبير الذي قل أن يجود الزمان بمثله والرقم المُفرد الذي أثرى الساحة الأدبية والثقافية، والذي خلد كافة مناسباتنا القومية والوطنية والاجتماعية بروائعه، فكان نتاجه وديوانه مرآة صادقة لكثير من الأحداث الهامة التي شهدتها بلادنا طوال أكثر من نصف قرن من الزمان. كان عبد المجيد - بحق - ريحانة المجالس وكان شاعر المناسبات الذي لا يجارى، وكان دائم الحضور في مجالسنا ومحافلنا الأدبية، وكان من الأصوات الجهيرة التي غنت لاستقلال السودان ولحركة ثوار 1924 ولمولد الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم ولعيد الهجرة ومطلع الهلال، ولأكتوبر الخضراء التي صورها أروع وأبلغ تصوير في رائعته أكتوبر والتي استهلها بنشيده الجميل: هبت الخرطوم في جنح الدجى جددت بالعزم هاتيك البطاح هذا مطلعها والتي غناها وأداها بروعة بعد ذلك الفنان الكبير عبد الكريم الكابلي. وكانت آخر مشاركاته إنشاده فريدته الرائعة عن القدس عاصمة للثقافة العربية. وقد ظلت القدس في حدقات عيونه مبدعاً وشاعراً في كافة مناسباتها، وفي احتفالات مجلس الصداقة الشعبية المشهودة طوال سنوات. حيث كان الراحل الكريم السفير عبد المجيد حاج الأمين رئيساً ومسؤولاً عن الدائرة العربية فيها. ظل عبد المجيد حاج الأمين الأديب المفقود في ساحتنا الآن، رقماً لا تخطئه العين في أوساطنا الأدبية العربية والمحلية، وظل عضواً فاعلاً ومؤسساً في اتحادنا - الاتحاد العام للأدباء السودانيين - إذ اشترك في مراحل تأسيسيه في كل المراحل منذ قيام الاتحاد في سبعينيات القرن الماضي، وتسجيله آنذاك إلى قيام اللجنة التمهيدية التي تشرفت بقيادتها في 2004م، والتي انبثق عنها تنظيمنا الحالي بعد إعادة تأسيسه وتسجيله في هذا التاريخ، حيث تولى عبد المجيد - بعد انتخابات ثورية ديمقراطية جامعة مفتوحة - تولى موقع أمين العلاقات الخارجية في لجنة المكتب التنفيذي للاتحاد عام 2005م، وظل يؤدي واجبه بتجرد وإخلاص ونكران ذات طوال هذه السنوات، إلى أن تم انتخابه وبالإجماع عضواً في مجلس الاتحاد في انتخابنا للعام 2009م بدار الاتحاد بأم درمان، وبإشراف السلطات القانونية وإشراف مسجل الجمعيات الثقافية في البلاد. إن عبد المجيد حاج الأمين نموذج للرجل الخلوق المهذب الملتزم.. موطأ الأكناف لين العريكة عفيف العبارة محب للناس وللخير.. ينم سمته ومسلكه عن عراقة محتده وأصالة أرومته، التي جمعت بين والده الشيخ الإداري الوطني المأمور والنائب البرلماني محمد حاج الأمين، وبين عمه المناضل الجسور عبيد حاج الأمين أحد ثوار 1924م بل أحد كبار قادتهم، وبين أرومته الباذخة التي تتصل بشيخ الإسلام ومفتي العلماء وأستاذ الجيل ومؤسس المعهد العلمي الشيخ أبو القاسم أحمد هاشم، وبقية ذلك الرعيل المضيء من العلماء من أبناء وإخوان الشيخ العظيم الشيخ مدثر أبو القاسم والشيخ أحمد البشير الطيب هاشم.. وغيرهم ممن عمروا الديار وصحائف الفكر والأدب والعلم.. بعطائهم الذي حفظته الأجيال ولسوف تحفظه إلى أبد الآبدين. من مثل هذه الأرومة أتى عبد المجيد وإلى مثل هذه الظلال الفيحاء يعود.. فإلى جنان الخلد أيها الصديق العزيز.. وكما قال كعب بن زهير في لاميته «بانت سعاد»:- كل ابن أنثى وإن طالت سلامته يوماً على آلة حدباء محمول