كثرت الشائعات في الآونة الأخيرة بشكل ملفت للأنظار وهي كما هو معلوم تطال كافة مجالات الحياة و من كل الأعمار بدءاً من الأطفال حول زمن موعد فتح المدارس إما بالزيادة أوالنقصان مروراً بالمغالطات السياسية لدى الكبار، وفي غالب الأحيان لا تنطلق تلك الشائعات بصورة عشوائية لأنها قد تكون مصنوعة بل وصناعة متقنة ومنظمة لها خبراؤها وأوقاتها المناسبة حيث أنها عبارة عن صيد في الماء العكر أو قد تعكر الصفو لدى القانعين، لذلك تكون هنالك مكاسب ومصالح تتحدد وفقاً لتلك الشائعات ،وهي تنطلق بقوة تفوق قوة انتشار الحقائق نفسها وتجد المناخ المناسب لسريانها وتصديقها ،ولهذا جدير بنا في هذه السانحة أن نحاول الإجابة على سؤالين هامين هما لماذا تسري الشائعة بسرعة مذهلة وفوق التصور حتى أحياناً قد تصل إلى متخذ القرار وتؤثر عليه ؟ والسؤال الثاني المترتب على الأول ما هي المصالح والمكاسب التي يمكن أن تجنى من ورائها «الشائعة »؟ وإذا سلمنا جدلاً بأن الإشاعة هي نبأ مصدره مجهول في البداية مما قد يساعد في اتخاذ هذه الشائعة مطية لتصول وتجول في المجالس الرسمية وغير الرسمية إما للفت الانتباه لتعويض نقص في النفس أو للنيل من أشخاص على قمة النجاح، وهؤلاء الشائعون المنتشرون الذين يطلقون الإشاعات الغريب في الأمر أنهم أول من يصدقها، وهم الذين يمكن أن نطلق عليهم أعداء النجاح لأنهم يطلقون الشائعات أما لهوى في أنفسهم أوحسداً من عندها. والأغرب أن الشائعات تُطلق وتنتشر انتشار النار في الهشيم سيما في المجتمعات التقليدية وشبه التقليدية والتي تعد الدول العربية قاطبة جزء منها والسودان على وجه الخصوص، حيث يستغل أصحاب الشائعات الأحداث الخاصة بالمجتمعات أوالأفراد وينسجون خيوطاً عنكبوتية حول فرائسهم حتى أنك لا تتخيل مخرجاً من شباك تلك الشائعات ،ولكن الله غالب على أمره وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون ،وهذه هي سنة الله في الكون مع مثل هولاء المرجفين في المدينة ، وهم طائفة ضالة مضللة من المنافقين يجعلون الشائعة تكبر وتنمو وتروى بماء الكذب والبهتان مما يدل على ضعف الوازع الديني ولذلك فهي لا تثمر إلا شوكاً يطال صاحبه إن عاجلاً أو آجلا. ولأن الشائعة في الغالب الأعم تتنقل بالتسامع فإن ضررها يكون بليغاً بالسمعة للمجتمعات والأفراد على حد سواء لتوفر عنصر الإثارة والانبهار لدى المتلقي. ولهذا نقول إن الشائعات مرض يستشري ويفتك بالمجتمعات ولهذا أمرنا ديننا الحنيف بالتثبت حتى لا نصيب قوماً بجهالة ولكي لا ننزلق إلى مدارك الفسوق من حيث ندري ولاندري كل منا يتعاطى مع تلك الشائعة خاصة وأنها تضر بسمعة ومصلحة وأمن المجتمع وأفراده. الشائعة خبر غير مصدق ولذا يستغل «المشيعون» وسائلهم المختلفة عن طريق العملاء المجندين أووسائل التكنولوجيا الحديثة مثل الموبايل والانترنت والجرائد الصفراء والتي لها قوتها في التأثير لتدعيم الشائعات وتحوِّلها وكأنها حقيقية بديهية غير قابلة لاي جدل أونقاش ،وتعتبر الجامعات بالرغم من أنها الحصن العلمي والثقافي من أكبر المراتع لنشر وتصديق الشائعات بل وإطلاقها مما يمثل أكبر خطر قادم على مجتمعنا ،حيث أصبحت الجامعة تمثل في بعض الأحيان صورة من صور القياس الأولي لقياس مدى الاستمرار في نشر الشائعات وتقويمها . لذلك يمكننا أن نصنف بعض الشائعات بأنها سهلة الاكتشاف حتى عند متوسطي الثقافة ويدركون بكل سهولة أنها مجرد إشاعة وأخرى متوسطة الاكتشاف ولايمكن اكتشافها إلاَّ من طبقة معينة وأخرى صعبة الاكتشاف،ورابعة مستحيلة الاكتشاف حتى على من يتميزون بأنهم على أعلى درجات من العلم والثقافة حتى ولو كانوا هم أقرب الناس من مصدر الشائعة . والشائعة مثل كرة الثلج تتدحرج من فرد لآخر ومن مكان إلى مكان حتى تصل قاع الهرم، وهنالك أنواع متعددة للشائعات بتعدد المصالح المكتسبة منها، ولكنني سوف أتناول النوع الأخطر وهي«الإشاعات التدميرية» والتي تحبك لتدمير الصورة الذهنية لشخص حقيقي أو معنوي ، وبقسوة بالغة من أجل مصالح داخلية أو خارجية. وما أحوجنا لمكافحة الشائعات خاصة في فترة ما قبل الانتخابات والتي تمثل المنعطف الأكبر في تاريخ الأمة السودانية بكافة مشاربها وألوان طيفها السياسي والثقافي والاجتماعي ،ولأن الشائعات التدميرية والتي غالباً ماتكون عدائية ولبَثِّ الكراهية والتفرقة وتحويل الولاء وإفساد العلاقات بالأشخاص أو الجماعات أو الدول «دق الإسفين». وفي ختام هذا التناول للشائعات من غير تمثيل لها حتى لا نفقد فرص التفكير العميق لأن اللبيب ب«الإشارة يفهم »كما يقال، فإننا سوف نورد بعض المعالجات التي يمكن أن نجابه بها الشائعات :- 1 قتل الشائعة بشائعة أكبر منها. 2 تكذيب الشائعة إعلامياً. 3 تكذيب الشائعات معلوماتياً بالحقائق والبيانات والمنطق والعلم وهي أفضل الطرق. 4 إطلاق شائعات مضادة. والمعالجة الأهم في رأيي هي المعالجة الشرعية الدينية لأن الانشغال بإشاعة الأخبار السيئة وتضخيم أخطاء الناس والحرص علي تصيُّدها ومتابعتها والتفكه بعرضها في المجالس يشيع الاضطراب والقلق في النفوس ويكون من باب إشاعة الشعور بالإحباط واليأس عند كثير من الناس . قال الله تعالي في سورة النور« إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين أمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة والله يعلم وأنتم لاتعلمون» .يقول العلامة بن كثير يرحمه الله «وهذا تأديب لمن سمع شيئاً من الكلام السيء فقام بذهنه منه شئ وتكلم به وأكثر من إذاعته وإشاعته فإن العقاب على ذلك شديد في الدنيا والآخرة.و هذا هو الأسلوب الأنجع للعلاج والخروج من نفق الشائعات ورسولنا الكريم صلي الله عليه وسلم يقول فيما روى عنه «كفى بابن آدم بلاءاً أن يحدث بكل ما يسمع ». وما أروع ما روى عن الأحنف بن قيس ومعاوية رضي الله عنهم ،حيث قال معاوية يا أحنف حدثني عنك الثقة بكذا وأخبره بكلام غير لائق نقل عنه فقال الأحنف يا أمير المؤمنين الثقة لا يحدث،ما أجملها من عبارة أضاءت قلب معاوية فضحك راضياً معجباً بها. نعم الثقة ليس مغتاباً ولا صاحب نميمة والمجتمع الواعي الحضاري لا يسمح لمرضى النفوس من أهل الغيبة والنميمة ومروجي الشائعات أن يعبثوا به و باستقراره . فلو أن كل واحد منا واجه من ينقل إليه الكلام بكلمة «اتق الله» لاستراح المجتمع من ضغط الشائعات وتأثيرها السلبي في النفوس * عقيد شرطة طبيب - جامعة الرباط الوطني