كتب سبدرات بمشاعر الحزن والأسى قصيدة رائعة أسماها «إتكاءة على حد السكين»، يرثي فيها شقيقه الملازم معاوية سبدرات الذي قتل بالسلاح الأبيض في أحداث ود نوباوي ضمن الضباط والجنود الذين راحوا ضحية تللك الأحداث، والقصيدة مترعة بصور الفجيعة وكان ينوي أن يجعلها اسماً لديوانه الذي لم يخرج للناس حتى يومنا هذا، وأعجب كيف أصدر سبدرات العديد من الكتب شبه الرسمية وأغفل أهمية أن يظهر له ديوان شعر بتلك القصائد الرائعات التي شنف بها آذاننا وأفئدتنا ونحن نرفل سوياً في أثواب الصبا، حيث البرح جديد والمشاعر غضة.. أصدر سبدرات من الكتب الكثير وجلها في القانون والتصوف «الدستور هل يستوي على الجودي»، «إضاءة على دستور 1988»، «السلام في سطور»، «الموجز لفهم اتفاقية السلام»، «السلام الوعد والبشارة»، «تأملات في سورة محمد»، «السهر الحميم في كهف أصحاب الرقيم»، «في حضرة طه أعترف».. ولكنه ربما عزف عن إصدار ديوان شعر. شعر سبدرات ليس شعر غناء وحتى قصيدته الذائعة «رجعنالك» لم تكتب للغناء، فهي مزدحمة بالمفردات الجديدة والتعابير الجديدة، والقصيدة من حيث الشكل النظمي تبدو عصية على اللحن، فهي قصيدة كبيرة زاخرة بالمعاني تختلف عن القصائد الصغيرة السهلة التي تغنت بها فرقة البلابل «عشة صغيرة»، «طير الجنة» وخلافها.. إلا أن الملحن المقتدر بشير طوعها على اللحن. ولا تخلو قصيدة من قصائد سبدرات في الغزل والعاطفة من مفردات الإخضرار «السنابل»، «الندى»، «الشاطيء»: «عيونها لا.. ليس للشاعر لا الرسام وصفها من فيكم رأى الأصيل عانق الصباح والشفق من فيكم رأى حبيبة بالحب قلبها خفق لما حبيبها أباح بالهوى بحبه نطق من فيكم رأى الندى متوجاً قرنفلة وضحكة راعشة على جبين سنبلة اذا رأيتم دون وصف عيونها شطين متخمين بالنعاس والكسل». كنت قريباً من سبدرات وأول ما يقرأ ما يكتب وقد أخذت في شعري الكثير من مفرداته وصوره الأخاذة، ولو قدر لسبدرات أن يجمع ما كتب ويصدره في دواويين لعرفه الناس كشاعر وليس كسياسي، غير أنه بدّل الثانية بالأولى وأضاع على الأدب السوداني شاعراً مجيداً، والعزاء أنه أجاد في شعر التصوف وأسس لوناً جديداً وسطاً بين شعر المدائح التقليدي واللون المدهش الذي فاجأ به ود المكي إبراهيم، محبي الشعر الجميل حين خرج لنا بقصيدته الرائعة «مدينتك الهدى والنور»: «مدينتك القباب ودمعة التقوى ووجه النور وتسبيح الملائكة في ذؤابات النخيل وفي الحصى المنثور مدينتك الحقيقة يا رسول الله كل حدائق الدنيا أقل وسامة وحضور». هذه مدرسة أخرى لفوح الشعر.. ورائعة سبدرات «في حضرة طه أعترف» فوح آخر وشكل آخر لشعر التفعيلة.. وهي تستبطن روح الدراما، لذا لا غرو إن أخرجها المخرج المقتدر أسامة سالم في ثوب درامي قشيب شارك فيه كبار الدراميين من أمثال مكي سنادة وغيره من نجوم المسرح. ورغم أن الشعر لا ينفصل عن بعضه البعض باختلاف أنماطه، إلا أن شعر العاطفة الوجدانية هو الأكثر ذيوعاً.. والعاطفة الوجدانية الصوفية تندرج في هذا المقام. هذه إضاءة مختصرة لجانب من جوانب شخصية سبدرات التي تباينت فيها آراء الناس بين قادح ومادح، فهو قانوني ذكي لا جدال في مهنيته، وسياسي محنك لا يختلف في حنكته أحد إلا من يأخذ عليه رجماً وملاماً تحوله من اليسار الى اليمين والناس في القناعات مذاهب.. ويرجمه بالغيب من يعتقد وأنا شاهد عصر، أن تحوله بدأ بمجيء نظام الإنقاذ.. المقربون له يعرفون عنه ما لا يعرفه الأبعدون.. وما وددت الخوض إلا في جانبه الأدبي.. جانبه كشاعر يعلي من قيم الوفاء الذي هو طبعه وقيم الحب: «لا تعجب فبغير الحب تختلط الأشياء تموت عيون الأضواء ينعقد لسان الشاعر يتبكم وبغير الحب لا أعرف أمي من كل نساء التاريخ»