كانت ولاية الجزيرة وإلى عهد قريب سوداناً مصغراً و(صرة) كل السودان، وإن أردنا التعبير الدقيق نقول: إن الولاية اجتمعت بها كل القبائل السودانية تحت مظلة مشروعها العملاق، الذي كان ملء السمع والبصر، في الأيام الماضية ذهبت إلى محلية المناقل ورأيت بأم عيني سوء قنوات المياه وحالة البؤس التي انتابت الجسور وعلى رأسها جسر (بيكة) الرابط بين مدينة ود مدني والمدينة عرب، واللافت للأنظار أن هذا الجسر أودى بحياة عدد من الأبرياء ولا أحد يحرك ساكناً (لترميم هذا الكبري الصغير الذي لا يكلف سوى القليل.. القليل لإنقاذ البقية والمحافظة على الأرواح، والأسوأ والأمر أن مشروع الجزيرة أنهار بالكامل وترك أهله الزراعة وتفرقوا في بلاد الله الواسعة للبحث عن لقمة العيش، والغريب والمدهش في حديث المواطنين بأن المشروع مرهون للخصخصة، وهذا يعني تشريد الباقين من المزارعين والعاملين به. والأمر الآخر أن القرى الآمنة ومواطنيها ظلوا نهباً لبؤس المرض والفقر، إذ شكا لي عدد من المواطنين الذين التقيتهم من انعدام مقومات الحياة وعلى رأسها مياه الشرب وافتقارهم للأدوية المنقذة للحياة، كما حكى لي عادل الطيب محمد البشير عن قريته الدبب (قحيف) التي تبعد عن مدينة المناقل 7 كيلو- يحكي والحزن يملأ قلبه- على أهله الذين يعتصرون التعب والألم، قال: إن قريتهم تحيط بها المياه كل أيام السنة لذلك هم دائماً (مقطوعين) عن العالم من حولهم، وأن القرية لا توجد بها مدرسة أساس رغم الكثافة السكانية بها، لذلك أن نسبة التعليم بها ضئيلة لخوف الأسر على أولادها من مشاق الطريق لأقرب قرية لهم، ولا توجد في القرية الخدمات الصحية، فتفتقر القرية حتى لعيادة صغيرة يكون فيها ممرض أو حتى قابلة (داية).. أما عن المياه فحدث ولا حرج فهم يشربون من مياه الترع غير الصحية، وهذا ما يؤدي إلى إصابتهم بالأمراض الفتاكة، ويقول أن لهم بئراً (محفورة) منذ عامين ولكن لم يكتمل العمل فيها حتى الآن.. حيث يناشد عادل عبر هذه الزاوية المتواضعة حكومة ولاية الجزيرة والخيرين من أهل هذا البلد لمساعدتهم وإنقاذهم من هذا البؤس، ونتمنى أن يرجع مشروع الجزيرة العملاق إلى سابق عهده وإلى الأحسن؛ لأنه الأمن والأمان لكل أهل السودان، وأن يكون سوداننا الحبيب كما نصبو إليه سلة غذاء العالم.