لفت نظري حوار أجراه مراسل (أجراس الحرية) في واشنطن عبد الفتاح عرمان مع الصحافي المعتق محمد علي صالح، حول وقفته التظاهرية أمام البيت الأبيض، التي طالت لأكثر من عام، رافعاً سؤاله المكتوب بالانجليزية على لافتة تقول: (ماهو الإسلام؟) -What is Islam- وما هو الإرهاب؟ What is Terrorismوأخرى توجه رسالة للرئيس الأمريكي من عبارتين، إحداهما تقول: الرئيس أوباما يريد تحسين سمعة أمريكا في العالم الإسلامي، والأخرى: وأنا أريد تحسين سمعة الإسلام والمسلمين في أمريكا... وسأظل هنا حتى أموت. هكذا إذن نجد أنفسنا أمام حالة وتجربة صحافي كبير، قرر أن يستعيض عن القلم- الذي أفنى عمره يدلق أحباره ويسود الصفحات للأخبار والتقارير والتحليلات والترجمات- بالوقوف أمام البيت الأبيض متظاهراً وحاملاً لافتاته، ويقرر بمحض إرادته أن تكون تلك (وقفته النهائية) حتى الموت.. في إجاباته على اسئلة مراسل أجراس الحرية حول ما دعاه لمثل هذه الوقفة وسؤاله للأمريكيين عن تعريف الإرهاب والإسلام، فضل محمد علي صالح أن يعطي رؤية عامة قبل الإجابة على السؤال، وهى أنه يقوم بهذا العمل لإيمانه بأن (الولاياتالمتحدة هي أقرب شئ إلى جنة الله في الأرض.. ولأن الله أعطى الأمريكان حرية لم يعطها لأي شعب آخر، لذلك قررت مخاطبة الشعب الأمريكي، لأن السياسيين في أمريكا وفي كل بلد آخر- كما أعرف بحكم مهنتي- يستخدمون جميع الوسائل لإفادة أنفسهم وخدمة مصالحهم أولاً، وجزء كبير منهم منافقون وانتهازيون... والشعب الأمريكي أكثر شعب متحضر في العالم، ولديهم الحكمة والأدب والتهذيب، بل هم أكثر شعوب العالم رغبة في مساعدة الآخرين، عليه قررت مخاطبة الشعب الأمريكي، واللافتة التي أرفعها أمام البيت الأبيض هي ليست ضد الحكومة، وليست ضد اليمين أو اليسار، وتحتوي على سؤالين: ماهو الإرهاب؟ وماهو الإسلام؟ هل الإرهاب هو إرهاب الدولة أم المنظمة؟ وهل النضال إرهاب؟ والسؤال الثاني عن الإسلام، لأن المواطن الأمريكي لا يعرف أي شئ عن الإسلام، هذه طبعاً عملية طويلة وربما تستغرق 40 عاماً حتى يعرف المواطن الأمريكي، ما هو الإرهاب، وما هو الإسلام، والهدف بالنسبة لي شخصي ومرحلي، وأنا لا أعتقد أن ما أقوم به عمل بطولي، بل وصلت إلى هذه القناعة بمخاطبة الشعب الأمريكي، وكما قلت لصحيفة واشنطن بوست إن الحرب على الإرهاب هي حرب ضد المسلمين بصورة غير مباشرة، وبدأت وقوفي أمام البيت الأبيض منذ أيام بوش وعندما جاء أوباما شعرت أنه لم يقدم أي شئ في هذا الاتجاه، ولذلك عدت للوقوف أمام البيت الأبيض مرة أخرى، وأنا لا أنتمي لحزب سياسي، وأرى أن هذا الأمر به خلاص نفسي بالنسبة لي. قصدت من هذا المقتطف الطويل من حديث صالح لأجراس الحرية، أن أورد تلخيصاً وافياً لوجهة نظره حول وقفته التظاهرية، حتى أضع القارئ في الأجواء الفكرية التي تسيطر على مخيلة ونفس الزميل الكبير محمد علي محمد صالح، الذي لم أسعد بلقائه إبان سنوات إقامتي القليلة بواشنطن، والتي صادفت أيضاً أحداث سبتمبر وما تلاها من حرب على الإرهاب، وقررت على أثرها مغادرة الولاياتالمتحدة، ذلك بالرغم من معرفتي به كصحافي قديم ومرموق في السودان منذ أن كنا طلاباً، وأظنه كان محرراً بارزاً للشؤون الدولية بإحدى الصحف العتيقة - الصحافة أو الأيام أو الرأي العام، أو في أكثر من واحدة منها- لكن ملاحظتي الأساسية أنه لم يكن على اتصال وثيق بتجمعات السودانيين في العاصمة الأمريكية، ربما لانشغاله اليومي بالعمل الصحفي كمراسل لصحيفة الشرق الأوسط، أو لأسباب تخصه، حتى أنه لم يكن يؤم اجتماعات الجالية التي كان تحضرها معظم النخب الثقافية والسياسية السودانية المقيمة في العاصمة الأمريكية المثلثة - واشنطن وفرجينيا وماريلاند، والتي كان يحضرها حتى بعض شيوخ الجالية من أمثال الراحل مامون بحيرى وزير المالية الأسبق رحمه الله، وبروفيسورالأمين البشير وآخرين يطول ذكرهم. المهم عندي في تجربة الزميل محمد علي صالح هو ما توصل اليه من اقتناع بجدوى التعبير بالتظاهر- وهو حق مكفول في الولاياتالمتحدة- عوضاً عن التعبير عبر الصحافة التي هي مهنته، اقتناع بالعمل المباشر والاتصال الجماهيري الفوري، بالرغم من حرية الصحافة المكفولة أيضاً هناك و(على قفا من يشيل)، وذلك هو بالضبط مصدر التساؤلات الموجبة والسالبة، التي بدأت تتهاطل على (فعلته)، مثلما هي مصدر الاستغراب. دفعني ذلك إلى الدخول إلى الشبكة العنبكوتية، وبدأت أجوس في عرصاتها بعد أن كتبت اسمه في موقع البحث، وإذا بكميات وافرة من المعلومات والتعليقات تنصب على (فعلة) الرجل.. بالاضافة إلى سجل وافر لنشاطه الصحفي وكتاباته، فاستوقفني أولاً مقال له باللغة الانجليزية في صحيفة هيرالد تربيون بتاريخ الجمعة 5 اكتوبر 2007م تحت عنوان (صوم رمضان في الكنيسة) لخص فيه تجربة شخصية عندما حط رحاله بإحدى الكنائس في ضواحي فيرجينيا (ضيفاً عزيزاً) على كهنتها وراهباتها بدون مقدمات، فمنح غرفة من غرفها الخمس عشرة، تحجز دائماً للضيوف الطارئين من أمثاله، وحكى كيف أنه أمضى أياماً متوالية من شهر رمضان في ضيافة تلك الكنيسة، وكيف تفهموا وضعه كمسلم صائم، وكيف كانوا يؤخرون له طعامه حتى يحين موعد الافطار، وكيف كان يعد السحور بنفسه في مطعم الكنيسة، ويصلي أوقاته الخمسة ويشاركهم صلواتهم ، فبدا لي أن الزميل صالح مغرم أصلاً بالتجارب الجديدة، وذلك أعطاني مدخلاً لفهم ما أقدم عليه من وقفة مشهودة أمام البيت الأبيض. أما ردود الفعل والتعليقات على هذه الوقفة التظاهرية فقد رصدت بعضاً منها على موقع قناة الجزيرة، وبعضاً آخر على موقع جريدة (الشرق الأوسط)، جاء بعضها مؤيداً وبعضها الآخر معترضاً ومزدرياً فعلته. من ردود الفعل المؤيدة التي استوقفتني هو ما قاله سعيد عبد المنعم زمزم (أبو رامي)، وأوضح فيه أنه أحد المسلمين الأمريكيين الخمسة الذين اعتقلوا في باكستان بتهمة الارهاب، والذين قالوا إنهم ذاهبون إلي افغانستان للجهاد.. وإن الجهاد ليس هو الإرهاب، وأضاف.. لقد قلت للصحافيين في باكستان إننا لسنا إرهابيين، نحن مجاهدون، وأحيي الصحافي العربي في الولاياتالمتحدة محمد علي صالح، لأنه أول صحافي أعلن موقفه أمام البيت الأبيض، وأدعو كل صاحب صوت حر ليتظاهر معه.. ولينصرن الله من ينصره.. أما (أبو الشيماء) فقد لام الجزيرة على عدم إبراز (سودانية محمد علي).. وقال إن العرب لا يعترفون بهويتنا السودانية العربية، ولا يسعدنا ادعاءها، ولكن عندما يكون الخبر مشرفاً كهذا ينسبونه للعرب، دون التكرم بالاشارة إلي جنسية الرجل. أما بالنسبة لردود الفعل السالبة والناقدة، فقد أصابت صالح بعض قرصات الأستاذ عبد الرحمن الراشد ذي القلم الجارح، مثلما قرعه د. أيمن حبيب من كندا عبر أسئلة استنكارية من مثل أسأل(المجاهد الصامت): من يتحمل مسؤولية تخلف العالم العربي وانتشار الجهل والفقر والمرض؟ ومن أغرق المنطقة في دوامة الحروب؟.. من من الدول تفنن في رعاية المتطرفين وسمح لهم بنشر الرعب والفزع في كل أنحاء العالم؟ حتى أصبح السفر بالطائرات هماً وغماً، وكذلك فعل أحمد أبوزيد من السعودية الذى قال: لماذا ظل السوداني صامتاً صمت القبور على ما يجرى من قتل وتفجير وتفخيخ باسم الإسلام؟ لماذا لم يجاهر باعتراضه على هؤلاء المتطرفين بأن الذي يفعلونه ليس من الإسلام في شئ، يجافي المنطق أن يصمت على آفعالهم، ويحتج على فعل أمريكا، لعله خاف من المتطرفين أن يهدروا دمه إن هو اعترض، ولماذا لم يقف السوداني أمام القصر الجمهوري في السودان احتجاجاً على ما يجري في دارفور.. وسعودي آخر اقترح عليه طباعة وجهة نظره في(50) صفحة يوزعها كل يوم أمام البيت الأبيض، وآخرون اقترحوا عليه القيام بتوزيع المصحف الشريف مترجماً بالانجليزية . وقفة صالح أمام البيت الأبيض سلطت عليه أضواء الكاميرات، وأراقت حبراً كثيراً، هي تجربة جديدة على كل حال نأمل ونسأل الله ( ما تجيب ليه الهوا) بعد كل هذا العمر الطويل من الصحافة والغربة.