بالأمس وأنا أكمل استعدادي للسفر إلى بيروت (فجر اليوم) للمشاركة في برنامج تلفزيوني بقناة (العالم) يعده ويقدمه الأستاذ توفيق شومان، ويحمل اسم (تحت الرماد)... كان عليّ أن أذهب إلى كلية «جاردن سيتي» لمقابلة الدكتورة سارة محمد التي أُرسلت إليّ تذاكر السفر عن طريقها، وهناك كان لابد من لقاء قصير ومفيد مع البروفيسور مختار الأصم في مكتبه حيث الإدارة والعمادة وتناقشنا حول الوضع العام في بلادنا ووجدت أن وجهات النظر تكاد تكون متطابقة ليس لأن قيام الانتخابات مشكوك فيه، بل لأن بوادر العنف بدأت في الظهور، ففوز حزب وخسارة آخر ربما تعني أكثر من صدام أو اشتباك.. وغياب دوائر وناخبين من مجمل العملية الانتخابية يعني الكثير من المخاطر الآنية والمستقبلية، خاصة وأن العملية الانتخابية نفسها معقدة، وكثير من القواعد بحاجة إلى توعية وتعريف، وكثير من المرشحين- للأسف الشديد- في حاجة إلى محو أمية سياسية وربما وطنية أيضاً، إذ لم يتمكن الكثيرون من الخروج من دوائر الذات والمصالح الخاصة. حسبت أن البروفيسور مختار الأصم ممنوع من الحديث للصحافة والإعلام بحكم عضويته في المفوضية القومية للانتخابات، لكنني عرفت أنه لا محظورات ولا ممنوعات في الحديث حول أحداث (الساعة) وأشراطها السياسية، لذلك اتفقت مع البروف الأصم على ما يفيد القاريء والسياسي والحكومي والمعارض والحاكم والمحكوم، وليت الجميع يسمع «الأصم» إذا تحدث لأن الوطن فوق الجميع. وخلال اللقاء استمعت إلى رأي تحليلي للدكتورة سارة حول ترشيح الحركة الشعبية للأستاذ ياسر عرمان في منصب رئيس الجمهورية، فقد أبدت قلقها من أن يكون ذلك الترشيح مقدمة لتنفيذ أجندة البعض والعمل على فوز الأستاذ ياسر عرمان بالرئاسة ثم العمل على إبعاده من المسرح السياسي تماماً ليتولى رئيس حكومة الجنوب- بصفته النائب الأول للرئيس- مهام الرئاسة فيصبح رئيساً لكل السودان لا لجزء منه ويتحقق ما كان يحلم به الذين أبعدوا الدكتور الراحل جون قرنق الوحدوي ديمقراطي التوجه، لأنه كان أكبر عثرة في طريقهم. قطعاً لا نستطيع الجزم بصحة الفرضية من عدمها، لكن الاستنتاج معقول ولم يخالف قواعد المنطق والموضوعية، ويجعل السؤال قائماً بصورة (مستفزة) إذا ما تحققت أحلام أولئك الذين أبعدوا الدكتور جون قرنق (نهائياً) عن طريق المنافسة، وتبنوا شعار التغيير تشبهاً بالرئيس الأمريكي «باراك أوباما» رغم أن عام الحكم الأول أثبت أنه قد فارق ذلك الشعار (فراق الطريفي لي جملو) أي الفراق الأبدي. وقفة مهمة.. وقبل الختام لابد من الإشارة إلى حوار سبق أن أجريته وزميلي الأستاذ هاشم كرار لصحيفة (الأيام) إبان العهد المايوي، مع الدكتور مختار الأصم وكان وقتها أصغر وزير في حكومة نميري عندما عينه وزير دولة بوزارة الحكم المحلي، وكان حوارنا معه حول الحكم الفيدرالي، وعندما عدنا للصحيفة رأى الأستاذ هاشم أن يستخرج خبراً من الحوار فبدأه ب (أمتدح الدكتور مختار الأصم تجربة الحكم الفيدرالي.. إلخ).. وقابلت الدكتور الأصم في اليوم التالي فوجدته عاتباً غاضباً يكاد يرغي ويزبد وهو يقول لي متسائلاً ومحتجاً (أمتدح؟.. شنو يعني أمتدح؟.. يعني أنا شكارتها دلاكتها)... أيام.