الانتخابات حدث سياسي يجري سباقه كل أربعة أو خمسة أو ستة أعوام، حسب طبيعة النظام السياسي المعمول به في أيّة دولة .. والانتخابات يوم تاريخي مشهود يتيح للمواطنين ممارسة حق واستحقاق سياسي نصّت عليه دساتير الدول جميعها .. ومعروف أن أي انتخابات يثور حولها الجدل واللغط قبل قيامها وبعد إجرائها والنتائج التي أفرزتها .. ولكن في دول العالم الثالث مهما كانت نزيهة ونظيفة .. فالخاسرون دائماً يصفونها بأنّها غير نزيهة ومزوّرة لصالح الفئة الفائزة .. عكس ما يحدث في الدول المتقدِّمة ذات الأنظمة العريقة التي تعرف حقيقة الانتخابات. السودان - كدولة من دول العالم الثالث نظام الحكم فيه جمهوري، ويضم النظام السياسي معارضةً وحكومةً تجلس على سدّة الحكم - كان عليه أن يمرّ بتجربة الجدل الذي يُثار دائماً حول الانتخابات. الأحزاب السياسيّة السودانيّة ذات الثقل والوزن والإرث التاريخي بالطبع هي الأقدر على خوض الانتخابات. لكن الانتخابات القادمة تختلف عن سابقاتها لأن هنالك حزباً جديداً انضم الى الساحة السياسيّة بحكم أنه شريك في حكم البلاد بعد اتفاق نيفاشا .. حزب الحركة الشعبيّة.. الذي ولد بقاعدته الجنوبيّة. لذا أحدث الحزب الجديد ربكة سياسيّة وجاء ظهوره خصماً على القوى السياسيّة المعارضة للحزب الحاكم. صحيح أنّه كانت في الماضي أحزاب جنوبيّة ولكنها لم تكن بتلك القوة والإمكانات كحزب الحركة الشعبيّة. بعد تمرير قانون الانتخابات من الكتل البرلمانيّة كانت لكل الاحزاب رؤية ذاتية لخوضها .. فإذا ألقينا الضوء على الذي يدور في عقليّة المؤتمر الوطني يمكن أن نقرأ أنّه يصر على قيام الانتخابات في موعدها والاستعداد لها وخوضها .. لاعتقاده أنّه قدم الكثير من الانجازات في الداخل ووفّر خدمات للجماهير لم تكن مسبوقة من قبل .. وأيضا يفتخر بأنّه واجه الكثير من التحديات والمهدِّدات الخارجيّة، وفي الداخل استطاع إفشال كل مخطّطات التخريب والتدمير من قبل أعدائه .. فلكل هذه الأسباب مجتمعةً فهو يصر على قيام الانتخابات في موعدها ويرفض تأجيلها أو إلغاءها. على صعيد آخر نرى هناك تذبذباً في موقف حزب الحركة الشعبيّة، فبعد أن كانت ترى أن قيام الانتخابات ضرورة وأنها ضامنة لاصوات الجنوب كافة و90% من أصوات الشمالية حسب التصريحات التي أدلى بها بعض رموزها السياسيّة .. نجد أن النبرة الآن تغيّرت بعد تحالفها الواهن مع الأحزاب الشماليّة. لذا فتصريحاتها الآن غير مفهومة بعد أن كثرت مشاكل مواطنيها بالجنوب إثر الاشتباكات القبليّة التي فشلت حكومة الجنوب في إخمادها أو إطفاء نيرانها .. وحزب الحركة الشعبيّة يضع العراقيل امام قيام الانتخابات فتارة يتذرّع بعدم مصداقيّة التعداد السكاني وأخرى أن الانتخابات ستكون غير صحيحة لعدم تغطيتها كل ولايات السودان وأن هنالك مناطق يتعذر الإجراء فيها.. وهي مسبِّبات غير مقنعة للتردُّد على المشاركة في الانتخابات. الاحزاب السياسية الكبرى والصغيرة .. أبدت موافقة مبدئيّة لخوض الانتخابات انطلاقاً من إرثها التاريخي ودوائرها المضمونة. ولكن دراستها للواقع جعلتها تتردّد .. فالخريطة السودانيّة تغيرت في العقدين الماضيين.. ولم تعد هنالك جماهير رهن الإشارة، ودرجة الوعي والتعليم بكل مؤسساته غطى كل أرجاء الدوائر التقليديّة لهذه الأحزاب .. والتاريخ السياسي للاحزاب الكبرى لم يسجل أيّة خدمات اساسيّة لجماهير الدوائر، لذا رأت هذه الاحزاب أن لا رصيد جماهيري لها لخوض الانتخابات ورأت في حزب الحركة الشعبيّة ملاذاً تعتمد عليه .. اعتماداً على بعض عناصر الحركة الشعبيّة الذين يحملون دوماً روحاً عدائيّة لحزب المؤتمر الوطني، لحثِّهم على التنسيق سويّاً والتحالف من أجل إسقاط حزب المؤتمر الوطني في الانتخابات وإبعاده عن السلطة. حتى هذا الاتجاه الذي حلمت به الاحزاب الكبرى بدأ يتلاشى للاختلاف الداخلي بين قيادات الأحزاب .. لذا نجد أن هذه الاحزاب تقف على مفترق الطرق وفي حيرة من أمرها ولجأت الى التأجيل أو الإلغاء .. فالانتخابات ونتائجها تعني بالنسبة للأحزاب الموت بالسقطة القلبيّة. ولكي لا تموت الأحزاب نقول ارسموا برامجكم وعبئوا جماهيركم وأقدموا على تسجيلكم وادلوا بأصواتكم .. فالانتخابات قادمة .. اذهبوا إلى صناديق الاقتراع يرحمكم الله.