إسحق الحلنقي مبدع لم نحتفِ به الاحتفاء الذي يليق بما قدمه، فهو الشاعر الوحيد الذي غنى له كل المغنين وكان وراء عظمة كل الكبار، فعندما غنى له التاج مكي «حبيت عشانك كسلا» كان الحلنقي يافعاً في دروب الشعر، وعندما تسلم منه أحمد الجابري «البلوم» تشكك الجابري في أن يكون كاتبها الصبي الذي أمامه، ولم يجد مفراً من أن يسأله إن كان قد ساعده شاعر كبير أم لا.. كما هو الشاعر الوحيد الذي طلب وردي مقابلته بعد أن أعجب بأغنيته «عيش معاي الحب» التي غناها صالح الضي، ليقدما بعد اللقاء أروع الأغنيات مثلما قدم مع محمد الأمين أروع اللوحات التي من بينها «بتتعلم من الأيام».. لتؤكد الشواهد الكثيرة أن مشكلة الحلنقي تكمن في أننا في بلد لا نحتفي فيه بالمتواضعين، وأن تواضعه يجعله بعيداً عن الاحتفاء والتكريم.. فالرجل برغم أهراماته الكثيرة التي تنافس كل واحدة الأخرى، إلا أنه ما يزال يعاني في حياته في كل جانب، ولولا رجل الأعمال صلاح إدريس لما وجد الحلنقي الذي كتب آلاف الأبيات بيتاً يؤوي فيه أسرته. ü ومن المغنين الذين تعامل معهم الحلنقي وأهملناهم أيضاً الفنان صاحب الصوت الشجي إبراهيم حسين، الذي غنى للحلنقي «نجمة نجمة الليل نعدو والسنين يا حلينا عدو وأنت ما عارف عيونك لما تسرح وين بودو»، فهذا المبدع الذي أقعدته الظروف الصحية عن مواصلة الألق الذي بدأه ظل يعاني أيضاً دون أن يجد من يعينه، وقد أهملته حتى أجهزة الإعلام.. وكم أتمنى أن يعود أبو عركي البخيت الذي غنى للحلنقي «المسؤولية» التي أعلى فيها الحلنقي من قيمة العمل «العمل في حد ذاتو مسؤولية»، فالفنان أبو عركي الإنسان المدهش يمكن أن يعود لأجهزة الإعلام لو اقترب منه المسؤولون الذين يريدهم أبو عركي، فقد شاهدناه في زواج نجل الوزير هاشم هارون يأتي بصحبة نجلتيه، ولم يرفض يومها الفنان في الحفل عندما طُلب منه أن يغني فغنى بحضور الوالي عبد الرحمن الخضر، وعندما سألته قال لي: إن هاشم هارون إنسان مختلف يتمتع بإنسانية عالية وخلق ومواقف تجعل الإنسان يحترمه. فمثل هارون وغيره من الذين يرى فيهم عركي ما يروقه بوابات لإعادته للغناء من خلال أجهزة الإعلام.. فهيا يا هارون فإننا نحتاج لعركي الفنان الإنسان الذي شهدت له مواقف إنسانية، تؤكد أن الدخول له لن يتم إلاّ عبر الأبواب الإنسانية، وأندهش عندما أسمع من يتحدثون عن عركي بسوء، فالرجل يظلمه من لا يعرفه عن قرب فهو فقير في الدنيا في كل شيء إلاّ في خلقه العالي وإنسانيته النبيلة، ودموعه التي تنهمر لبكاء طفل أو لعجز عن عون محتاج.. ولا يملك من يقترب منه ويشهد إنسانيته إلاّ أن يقول كبير كبير يا عركي.