وهي منذ أن قيل لهما (يا آدم أسكن أنت وزوجك الجنة.. وكلا منها رغداً حيث شئتما).. وحين أتاهما.. هما الأثنان معاً.. أتاهما التحذير: (ولا تقربا هذه الشجرة).. ثم لم يكن (العقاب) لأحدهما.. دون الآخر فكان الأمر (اهبطا منها- جميعاً) ومن هذا المنظور كانت الشراكة أزلية راسخة أبدية.. ما دامت الحياة.. ولا يتحمل أحدهما عن الآخر جرائره أو يبخسه حسناته.. إلا إنها- (أي المرأة)- لرقتها وإحساسها المرهف.. خشى عليها من بعض التجاوزات.. إنطلاقاً من وعيد وتهديد العدو اللدود الأكبر.. ولهذا جاءتنا الحكمة (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان) نطرق هذا لأن زوايا الحياة المتحركة لا تقبل إلا الواقع المعاش... بتطوراته وتغيراته التي أبدعها وأوجدها الخالق الأعظم.. كنمط لا ينكره أحد... فتساوي الرجال والنساء في بعضها، كالأجر المشترك وكالسعة والضيق.. والمآلات الآخرة.. حيث لا توجد.. يومئذ مواقع للنساء وأخرى للرجال... ومن سياقي هذا أقول: إن المرأة تمتاز على غيرها بدقة وشفافية الملاحظة... وانعكاس الفعل.. وتمتاز بأنها تفرح بالماثل الجميل... وتحزن لضده.. وتناصر دائماً الفتوة وإحراز السبق والتفوق حتى تقول لأخيها الحبيب: ما بدور لك الميتة أم رماداً شح دايراك يوم لقا بدماك تتوشح وهي تماثل الأخرى التي تفتخر بشقيقها- كما أسلفت يوماً- حين تقول: وإن صخراً لتأتم الهداة به كأنه علم على رأسه نار وكأنهن بالأمس حين احتشدن بأرض المعارض (ببري) قد ارتفعت أصواتهن قائلات: (السارة تهز... لود العز) وما ذلك إلا لأنهن- رأين أفضاله ومنجزاته ماثلة لا يخطئها راءٍ... ولأنهن تقدمن الفتيان بالجامعات يقلن: ( الزارعنا غير الله أليجي يقلعنا) وهن يعنين التفوق والإنسياب المعرفي والتعليمي.. وهم والجميع قد أفسحوا لهن قائلين: الأم مدرسة إذا أعددتها.. أعددت شعباً طيب الأعراق إذن إن تقدمت المرأة وناصرت العمران المشاهد والمعلوم المعاش- أيضاً- أمام الخلائق طرة.. فإن ذلك يوازيه الحرص على عدم فقدانه (أي التعمير والإبتدار) وتنطلق المقولة القوية ( أثنتان إن اجتمعتا لا تغلبان أبداً... الحكم والعلم) والعلم هو المرتكز على الهدى المستقيم.. والحكم هو أن يحكم بما أنزل الله تعالى.. فإن أخطأ فله العتبى ما قال (استغر الله العظيم وأتوب إليه.. إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت) وتعاودنا بتكرار عزيز (المرجعية العظمى) (الأرض يرثها عبادي الصالحون).. ولنا في أمم الأرض أمثلة وعبر.. فأين (فرعون) الذي قال- أنا ربكم الأعلى- وأين (بلقيس) ملكة اليمن في (سبأ) حتى نصحت جنودها أولي البأس والقوة- قائلة لهم: إن هذا الخطاب مرسل بالبريد السريع (الطائر) مرسل من (سليمان) عليه السلام.. (.. وإنه بسم الله الرحمن الرحيم ألا تعلو عليّ واتوني مسلمين) ثم نصحتهم حين افتخروا بقوتهم وسطوتهم.. قالت لهم بلقيس الملكة: إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة، وكذلك-أي دائماً- يفعلون) لتقودها حكمتها في آخر المطاف أن تكون هي وقومها (مسلمين) لله رب العالمين، ثم إننا بالسودان قد علمنا النصيحة الغالية التي قدمها الخليفة السوداني.. ( عبد الله التعايشي) للملكة (فتكوريا) ملكة بريطانيا والعالم آنذاك، فقال لها (الخليفة): (أحسن ليكي تدخلي الإسلام) وستفوزين بأفضال جمة وعظيمة.. وستكونين (أماً) لنجباء أوفياء.. فكان الأمر من قبل ومن بعد كله لله رب الوجود.. ومن شابه أباه فما ظلم.. وما أكثر العبر إن استرسلنا في ذكرها وسردها، لأن الذكرى والعبرة تنفع المؤمنين.. فإن المرأة السودانية لا تحتاج لبيان أو مراجعات مطولة.. لأنها هي التي قالت:(الجواب يكفيك عنوانه)وهي التي تقول أيضاً: (ألفيك انفهمت)، وهي التي قالت أختها يومذاك(يا أبتي أستأجره إن خير من أستأجرت القوي الأمين)، لأنها رأت البيان بالعمل،(فسقى لهما ثم تولى إلى الظل)، فهي لا تعوزها إذن الدراية به.. إن أرادت أخبار والدها (الشيخ الكبير) بأن تصفه (أي موسى) بالقوة وكذلك بالأدب والذوق والمروءة والعفة.. وهي حين جاءته كانت تمشي على استحياء.. لتخطره بأنها مرسلة من أبيها.. ليشكره على هذا الانجاز الإنساني الخيري المرتجى.. مثلما جاءت بعدهن(خديجة) بنت خويلد.. صاحبة المال والتجار.. ليعمل في تجارتها الفتى الأمين القوى ( محمد بن عبد الله) ومعه ابتعثت مرافقاً ومعاوناً وشاهداً (ميسرة).. فلما جاءها بالتقرير عن(محمد) الأمين.. قالت: (استخلصه لنفسي).. لمالي.. وداري.. وذريتي ومآلي.. فكان الحدث... وكان إعمار الدنيا.. وسلامة الأخرى.. ولذلك قال(عمر البشير) (سعاد) الفاتح أم الفاتح!! والله أكبر ... و(خير الناس أنفعهم للناس)كما قال(صلى الله عليه وسلم).