ولك أن تحزن يا صاح ما شاء لك الحزن.. ولك أن تبكي.. يا صديقي.. ما شاء لك البكاء.. ولك أن تغضب.. ما شاء لك الغضب.. وأنت وقد كنت تُمني النفس.. بأن تضاء مصابيح الوطن.. وأن تهطل سحب الإلفة.. والحب شلالاً روياً.. والانتخابات.. تطرق.. الأبواب المؤصدة.. الصلبة.. العنيدة.. وهي التي ظلت.. مغلقة بالضبة والمفتاح.. لمدة عشرين سنة وتزيد.. حتى ران عليها الصدأ.. لتنفتح مشرعة.. إيذاناً بدخول.. العروس الديموقراطية زاهية.. مزهوة.. ممنياً نفسك.. بروائع وبدائع الليالي الخطابية.. بروعة وبديع العبارات.. بأخلاق الفرسان.. التي لا تزدري بالخصم ولا تحقر منافساً وبديلاً لكل ذلك.. تنفجر سماء الوطن.. بالسباب.. والشتائم والتخوين.. ويجري.. السيل.. وهو يدفع.. الغثاء والطرور.. ولك يا صاح أن تتساءل.. من أين يستمد هؤلاء.. كل تلك الحصانة.. لماذا يتقافزون.. في دوائر.. حكراً عليهم وحدهم.. لماذا يكيلون بالربع الكبير.. شتماً وسباباً.. بكلمات.. نخجل أن تطرق آذاننا.. ونرتعد.. وهي.. تدخل.. عنوة وبلا استئذان حتى إلى مخادع نومنا.. ونخاف حد الرعب.. على أطفالنا.. بل تأكلنا الحسرة.. وتخنقنا الغصة.. وتقف في حلوقنا العبرة.. لو سألونا عن معاني كلمات لم يسمعوا بها لا في مدرسة.. ولا في كتاب ولا حتى في الشارع.. لماذا يقيمون الدنيا.. وتنشق حلاقيمهم.. إذا تجرأ.. أحد المعارضين.. وقابل هجومهم الكاسح.. بكلمة واحدة من جنس بضاعتهم.. وقديماً قيل.. لما رأيت الجهل في الناس فاشياً تجاهلت حتى قيل إني جاهل.. وتأتي.. آخر درجات.. ومحطات الفجور في الخصومة.. وهؤلاء القادة.. الذين نالوا أرفع الدرجات العلمية.. من أعظم الجامعات.. يهوون سبعين ذراعاً.. أسفل الأرض.. ليصفوا بشراً سوياً من المعارضين.. بالحيوانات والحشرات.. ودود الأرض.. وأشكال.. الزواحف والقوارض؟! لك يا صاح.. أن تغضب.. ولكن إياك إياك أن تغضب.. من بذاءة بعض المؤلفة قلوبهم.. نعم يا صديقي.. هؤلاء.. أكثر من أصحاب الجلد والحكومة والثورة سباباً.. بل تخطوا كل خط أحمر.. أبداً ما اجتازه سوداني.. وهو يسب سودانياً.. في فكر.. أو عقيدة أو نهج.. أو حزب.. إياك أن تغضب من هؤلاء.. هؤلاء يا صديقي «دايرين يعيشو».. بالله عليك لا تحرمهم.. من اللهث.. خلف أصحاب النعمة.. يكفيهم.. أنهم ارتضوا لأنفسهم الركوع.. أمام القادة.. يكفيهم عذاباً.. أنهم يضعون أنفسهم أبداً تحت أحذية السادة.. والتاريخ «القريب يوم داك وما طول».. يقول.. في بعضهم.. يتمرغون على القذارة والقذى ويحدثونك عن صفاء الكوثر.. يا صديقي.. لك أن تغضب.. بل تبكي.. أما أنا فقد كان غضبي.. أن كل ذاك السيل من الهجاء.. والطعن واللعن.. ينتحل أصحابه وقائلوه.. زوراً وبهتاناً صفة الإسلام.. المضيء.. الرفيع.. الداعي.. إلى شاهق الأخلاق.. الهادي.. الى معاملة الناس بخلق حسن.. المعلم.. للإنسانية.. بالابتعاد عن الغلظة والفظاظة.. حتى لا ينفض الناس من حول كل داعية.. وبئس من يتدثّر برداء الإسلام.. وهو بعيد عن مكارم الأخلاق.. التي بعث الله الرسول المعصوم صلوات الله وسلامه عليه ليتممها.. فأين هؤلاء يا صاح من مكارم الأخلاق.. نعم من حقك صديقي أن تغضب.. وأركان حرب الحركة الإسلامية.. هم من يقومون بذلك.. أعني بهم.. الذين يمسكون بتلابيب الناس في زماننا هذا أما أنا فلم أغضب.. ولم أبك.. فقط اجتاحني الخوف والفزع.. والرعب.. ليس على شيء سوى الوطن.. ولكن ليس من أقوال وأفعال هؤلاء بل من شقهم الثاني.. الذي انشطر عنهم.. بل انغلق عنهم انغلاق حبة الفول.. لأحدّثكم غداً.. عن هؤلاء.. لتفزعوا مثلي.. ولتعرفوا إلى أي «ميس» وصل إليه أخوان الأمس.. في الفجور في الخصومة..