يقول المعارضون، أو أركان مؤتمر جوبا، إن عشرين عاماً، هي عمر ثورة الإنقاذ الوطني، كانت كفيلة لتبرير ما أحدثته من تقدم غيَّر وجه الحياة في السودان، وأنهم لو أعطوا هذين العقدين لأحدثوا هذا التغيير، وربما أكثر منه. وهو منطق معوج من أساسه، لا يستقيم مع الواقع المعاش، أو الذي عيش، وذلك للعوامل التالية: أولاً: هي ثورة، بكل مقاييس أدبيات الثورات، من حيث أنها عملية تغيير كبرى أوقفت تدحرج البلاد نحو الانهيار، وأقامت محله خطاً صاعداً للتقدم، وهذا ما استغرق «10» سنوات أزالت فيها الثورة آثار التخلف الموروث، كما استغرق بناء مقومات التقدم «10» سنوات أخرى. ثانياً: هي إنقاذ حقيقي للبلاد من تدهور أمني، وانهيار اقتصادي، وعدم استقرار سياسي. ومن حق من قاموا بعملية الإنقاذ أن يفخروا بما نعتهم به أحد أكبر المرشحين للانتخابات الرئاسية وهو يشير إليهم بالإنقاذيين وهو تدهور وانهيار ولا استقرار، تشهد عليه وثائق تلك الفترة الكالحة، مما لا احتاج إلى إعادته مرة أخرى ، كما لا أحتاج للإشارة إلى مقومات النهضة الراهنة التي يسعى «الإنقاذيون»لاستكمالها، وهم يدخلون الانتخابات بعد شهر واحد وبضعة أيام، لتجديد تفويض الشعب إياهم لأربع أو خمس سنوات أخرى. ثالثاً: وغاب عمن يرون أن ثورة الإنقاذ الوطني قد طال عمرها، أنهم هم أنفسهم كانوا عاملاً أساسياً في هذا العمر المديد، بإذن الله تعالى. فقد تورطوا في مخططات غربية لإسقاط النظام عن طريق جيرانه ومعارضته المسلحة، حيث كان لأحزاب المعارضة الأساسية جيوشها. ودعمها الخارجي العسكري واللوجستي، ففشلت المخططات الغربية، وفشل الجيران، وفشلت جيوش المعارضة، في إسقاط النظام ولما مدت ثورة الإنقاذ الوطني يدها للوفاق الوطني ، استغرق تحقيقه زمناً عزيزاً على حساب الوطن، حتى اقتنعت المعارضة بألاسبيل إلى استعادة السلطة سوى عن طريق مبدأ التداول السلمي للسلطة. فلما دخلوا في عملية التحول الديمقراطي استغرقوا وقتاً عزيزاً آخر، في مخططات إسقاط النظام قبل الانتخابات، فلما فشلوا راحوا يتعللون بالإجراءات الانتخابية نفسها لتأجيل الانتخابات.. وسعى مؤتمر أحزاب المعارضة بجوبا إلى ما أسموه تشتيت الأصوات بكثرة المرشحين للانتخابات الرئاسية فلما أدركوا أنه لا يجدي شيئاً راحوا يبحثون عن معكوسه، وهو «تجميع» الأصوات في مرشح واحد!. رابعاً: وقد تتعلل المعارضة تعللاً منطقياً بأنها تسعى «لإنقاذ البلاد من الإنقاذ» لأنها أدخلت البلاد في حروب أهلية، شرقاً وغرباً وجنوباً، مع أنها حروب ورثتها، أو ورثت جذورها من عهدهم، وقد اشتد أواراها في عهد الإنقاذ، في إطار مخطط غربي مسبق لتقسيم البلاد إلى دويلات صغيرة، وسلبها هويتها، ونهبها ثرواتها الكامنة. فالإنقاذ لم تصنع تلك المخططات التي طالت دولاً عديدة في المنطقة.. ودافعت عن سيادة البلاد وهويتها في وجه هذه المخططات. ثم هي أطفأت تلك الحروب بالتسويات السلمية. خامساً: حسنة ثورة الإنقاذ الكبرى، حتى في ظل العقوبات والمحاصرات الغربية وما صاحبها من ضغوط متواصلة، أنها استطاعت بقوة الإرادة السياسية أن تجد خيارات واسعة للشراكات الاستراتيجية، فاتجهت شرقاً، فاستخرجت البترول تجارياً، وبنت سد مروي، وأسست البنيات التحتية الضرورية لأي نهضة بل هي تخطط صادقة لتحويل السودان إلى دولة صناعية، بجانب كونه دولة زراعية وبترولية كما أنها تخطط لتوليد الكهرباء من أول مفاعل نووي سوداني للأغراض السلمية يخضع لرقابة الهيئة الدولية للطاقة، وقد كونت لجنة من الخبراء لهذا الغرض. سادساً: استطاعت ثورة الإنقاذ الوطني أن تطوي صفحة العلمانية إلى الأبد عن طريق اتفاقية السلام الشامل نفسها. أعجب للأصوات التي تنادي بعلمانية الدولة اليوم.. أي بحياد الدولة ازاء الدين.. فالاتفاقية في ديباجتها ومبادئها الأساسية تقرر أن الدين مصدر إلهام وقوة معنوية لشعب السودان لما جاء في مصادر التشريع أن الشريعة الإسلامية والعرف هما المرجعية للشمال، وأن العرف ومصادر أخرى من بينها الدين هي المرجعية للجنوب.. حتى الجنوب ليس علمانياً. سابعاً: استطاعت ثورة الإنقاذ الوطني أن تفجر طاقات المجتمع المدني بمفهومه الواسع استهدافاً لمرحلة المجتمع القائد الذي يتقدم فيه دور المجتمع على دور الحكومة. والله المستعان