قوة الكلمة: تحمل الكلمة قوتها في داخلها، وترتبط الكلمة بشخص قائلها، فعندما يتكلم الله، تأخذ كلمة الله القوة من الله نفسه، لأن كلمة الله حية وفعالة، وأمضى من كل سيف ذي حدين، وخارقة إلى مفرق النفس، والروح، والمفاصل، والمخاخ، ومجيزة أفكار القلب ونباته، وغالباً ما تأتي الكلمة بالمؤنث، ولكن يوحنا صاحب الرؤيا، تحدث عن الكلمة بالمذكر، وقال في البدء كان وأؤكد على كان الكلمة، وكان الكلمة عند الله، وكان الكلمة الله، وهذا يعني أنها عندما تذكر الكلمة بالمذكر، يقصد بها الله، وعندما تأتي بالمؤنث يقصد بها كلمة الله، وفي القرآن الكريم تأتي الكلمة بصيغة المذكر: (إن الله يبشرك بكلمة منه، اسمه المسيح عيسى بن مريم) كما تأتي الكلمة بصيغة المؤنث في قول القرآن الكريم: (وكلمة الله هي العليا)، (كلمة طيبة كشجرة طيبة)، (إنما المسيح عيسى بن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه) ، (وتمت كلمة ربك صدقاً وعدلاً لا مبدل لكلماته) ، (ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين) ، (ويمحو الله الباطل ويحق الحق بكلماته). حضارة الكلمة : قال بعض الكتاب: إن الحضارة الإفريقية تسمى حضارة (ما قبل الأدب)، غير أن العلماء اليوم يرون أن في هذا الرأي ظلماً للإفريقيين، ويفضلون أن تسمى حضارة إفريقيا حضارة الكلمة، ويستدلون على رأيهم بأن أهم خصائص اللغات الإفريقية أنها تعبر عن المحسوسات أولاً وقبل كل شيء، ثم إنها تخاطب الخيال، وهذا ما يجعلها لغات أدبية، مهما كانت ناقصة في مقومات التعبير الفلسفي أو التعبير المجرد بوجه عام، كما أن الأفارقة يهتمون بقيمة الكلمة، ويعتنون باللغة، وفي هذا يقول أحد علماء اللغة عندما يصف لغة قبيلة في جنوب إفريقيا: إن كل فرد منهم شديد الحرص على أن يتكلم صحيح الكلام، وكلا منهم قادر على استعمال اللغة استعمالاً قديراً يعجز عنه كثير من المتحضرين، وهم لا يلعثمون كما يتلعثم العمال أو الفلا حين من الأوروبيين إذا تكلموا في مجال عام. وإذا كنا نقول: إن من البيان لسحراً، فإن إفريقيا أول من آمن أهلها بأن للكلام قوة سحرية؛ ولهذا يتحرز الناس في استعمال الكلمات، وهنا يأخذ المتكلم خطيباً، أو أديباً، أو شاعراً، أرفع منزلة، ليس بسبب سحر الألفاظ بالمعنى البلاغي، ولكن لأن كلمة لها نتيجة فعلية محسوسة، فالكلمة الطيبة تنتج عنها نتيجة طيبة، والكلمة الشريرة تنتج عنها نتيجة شريرة، فالبركات التي يبارك بها الآباء الأبناء لها فعلاً بركاتها في حياة الأبناء، كما أن اللعنات تجر في أذيالها الكوارث، ورغم هذا عثر في النصوص القديمة عن قصة أب صبّ لعناته على ابنه العاق، وقال: آه يا ولدي، لقد تزوجت من أمك ودفعت من أجلها مهراً، وتعبت حتى أنجبتك، فكيف أنهاك عن فعل فتعصيني، إن غيري ينتفع من ثمار عملك، من أجل هذا تركت نفسي فريسة للألم، كذلك أهل القرية والقبيلة، يزدرونك كما أزدريك، بما فيهم الأموات، لهذا لن يصيبك خير بعد الآن، فأنت رجل ملعون. وبعد هذه اللعنة من أب لابنه العاق وكأنه بهذه الإشارة يتبرأ من أبوته لهذا الابن العاق، ويطلب التوبة على رؤوس الأشهاد، أو يتمنى له الموت، وفي أكثر قرى الجابون، يتحدث رؤساء القبائل بهذا الأسلوب الذي يشيع الجدية والرهبة. ورغم أن آداب إفريقيا، بل وتاريخها ينتمي إلى الآداب الشفوية، أي التي يتناقلها الناس أباً عن جد بالكلمة المنطوقة لا بالكلمة المكتوبة، فإن إفريقيا عرفت الكتابة منذ زمن بعيد، وقد وجد أستاذ (جربول) ومعاونوه نقوشاً وكتابات سرية على العمائر الأثرية في السودان القديم، غير أن البعض يقول: إن هذه اللغة المكتوبة كانت محدودة التداول خاصة بفئة قليلة من الكهانة، وقد احتفظت حروف اللغة القبطية بتاريخ مملكة مروي السودانية، حيث كتبت اللغة المروية بحروف قبطية، ومن الطريف أن اللغة القبطية اخذت حروفها من اللغة اليونانية، ولهذا كثيراً ما يحدث خلط بين اللغتين، وكثيراً ما يقول البعض: إن اللغة اليونانية هي التي استعملت المرويّة حروفها، ولكن الحق أن أهل مروي بسبب اقترابهم إلى مصر استعملوا الحروف القبطية، وعلى الأخصّ أن المسيحية دخلت إلى ممالك السودان من باب مصر القبطية، وبواسطة علماء دين أقباط تمكنوا من نشر المسيحية بين الملوك والشعب، فقد كان الراهب يوليانس، يجلس في ميدان عام، يومياً، ولمدة تقرب من تسع ساعات يشرح لمن يحضر من الشعب أهمية وأعماق وطقوس المسيحية.