الصديق العزيز الأستاذ مصطفى أبو العزائم في الوقت الذي كنت أفكر فيه بالكتابة حول معجزة الطمبور«النعام آدم»، طالعت حروفك البهية في حقه بعمودكم المقروء«بعد ومسافة» وقد استهواني حديثك الطيب وأخذني أسلوبك البديع، الذي جاء صادقاً في حق رجل قدم لوطنه وفنه الكثير.. وأنا أدلو بدلوي في ذات الموضوع، متمنياً أن أصيب شيئاً من النجاح. يعتبر النعام آدم علامة مضيئة و«شامة» ظاهرة في جبين أغنية الطمبور من خلال طريقته المعروفة، وقدرته الفائقة على «دق»الطمبور ببراعة متناهية تضاهي تجارب الآخرين.. صحيح أن النعام آدم بدأ الغناء في منطقته«الكربة» قبل وصوله الإذاعة، وكان بين الفينة والأخرى يبادر بزيارة أمدرمان لمقابلة طبيب العيون ثم يعود إلى هناك، فلما ذاع صيته وملأت شهرته الأرجاء، أشار عليه أصدقاؤه بضرورة الالتحاق بالإذاعة السودانية، التي كان قد سبقه إليها عبد الرحمن بلاص «1952»، إدريس إبراهيم «1957»، عبد الرازق بنده، بخيت صلاح الكودة، عبد المنعم بشير «منقة كسلا» وغيرهم. وفي أحد أيام العام «1959» كان الفنان إدريس إبراهيم يحيي حفلاً بالحلة الجديدة، جنوب غرب محطة أبو حمامة الحالية، وبعد الفاصل الأول استاذنه أهل الحفل لإتاحة الفرصة لفنان جديد يود مشاركتهم، وهو «النعام آدم» وبعد الحفل طلب منه الفنان إدريس إبراهيم، أن يصطحبه صباح الغد إلى الإذاعة لحضور تسجيل إحدى أغنياته وكانت بالرطانة، وهناك «في الإذاعة» عرفه الفنان إدريس إبراهيم بالإذاعي الراحل علي الحسن مالك، وكان وقتها يقدم برنامج ربوع السودان، فغنى النعام أغنيته «فاوضني بلا زعل» بالطمبور فقط لأول مرة بالإذاعة وقد رافقه الفنان إدريس إبراهيم، وكان الكورس الوحيد عند تسجيل الأغنية في عام 1959م.كان النعام آدم عند حضوره من الشمالية لأمدرمان للعلاج، يتخذ من «حوش الهواوير» بأمدرمان «حي العرب الحالي» سكناً ومقاماً، ومن هناك توالت رحلته مع الإذاعة بدعم حقيقي من الراحل علي الحسن مالك، وشيخ النقاد الأستاذ ميرغني البكري متعه الله بالصحة والعافية فهو ينحدر من منطقة منصوركتي التي جاء منها النعام آدم. لم يكن النعام آدم مغنياً فحسب، بل كان شاعراً مفوَّهاً كتب الشعر ونظم الأغنيات، ومن أشهرها أغنيته التي تقول: النعام جنك ده خلوا يا رجال الله البصلوا قيدي محجور كيف احلوا وجعي ما معروف محلوا وقد غناها مع أخريات في بداية مشواره الحافل، فإلى جانب الشعراء الذين تم ذكرهم، تعامل النعام مع آخرين منهم خضر محمود، إسماعيل حسن، محمد الحسين علي، سيدأحمد أبو شيبه، وراق المجذوب وغيرهم، ومن أوائل الذين رافقوه في الكورس، إبراهيم علبوب، حسن عبد الله كزور، عجب خير السيد «إيقاع»، محجوب أبو نائب وعمر أحمد، ثم انضم إلى فرقته لاحقاً محي الدين عبد الوهاب، بخيت موسى، عبد الله حماد، بخيت أحمد عثمان قدورة، حسن عمسيب، حسن آدم النعام، إلى جانب السباح سلطان كيجاب الذي رافق النعام عازفاً للإيقاع. ثنائية النعام معروفة مع الشاعر حسن محمد بخيت «حسن الدابي» إلا أن الأبيات التي وردت في عمودك «مظلوم في يوم ما وجدت مرادي.. مكتوب لي العذاب في جبيني يوم ميلادي» لم تكن من أغنية «ياعيوني أبكي دمع الدم الزمان بعذابي حكم»- كما ورد - وإنما هي ضمن أبيات الأغنية الشهيرة «الزول الوسيم» للشاعر محمد سعيد دفع الله.. وكانت نقطة تحول حقيقية في مسيرة الفنان الكبير حينما قدم «القليب يطيب»، «القلب الجريح»، «لاشوفةً تبل الشوق ولارداً يطمن» وغيرها من رائع الأغنيات التي جادت بها سبعينيات القرن المنصرم. من أساليب النعام المعروفة «خربشة» الطمبور في نهاية كل أغنية فيما عرف ب «التوقيع» الذي ميزه عن الآخرين فعندما دخل الفنان الكبير عثمان اليمني إلى الساحة، كان يواجه تحدياً كبيراً لكي يثبت أقدامه ويعرف بفنه، فكان عليه أن يبتدع من الأساليب ما يبعده من أوجه المقارنة مع النعام آدم، فلجأ اليمني لاستخدام «الرميات» كطريقة مغايره ومختلفة تماماً من أسلوب النعام آدم. حديثك عن النعام- أخي مصطفى- لعله يفتح الباب واسعاً ويحرك ساكن الجهات الفنية والثقافية لتبادر بتخليد ذكرى الرجل الأسطورة «النعام» الذي ستحل علينا ذكرى رحيله السابعة عشر في الثالث من أبريل القادم.. فقد قضى نحبه ومضى للقاء ربه بالسلاح الطبي بأمدرمان، مساء 3/4/1993م، بعد عطاء واضح ومسيرة حافلة دونت أسمه في سفر الخلود.. رحمه الله وأحسن إليه في معية الصديقين والأبرار. وشكراً لك عوض أحمدان - الإذاعة السودانية أم درمان