من جميل مقررات الشهادة الثانوية، موضوع للقراءة عنوانه الشجرة الخضراء فيه تربية رفيعة تدعو للعناية بالشجرة، وفيه أساليب بيانية شائقة مثل «الشجرة أم البشرية لم تتخل عن وظيفة الأمومة الحقيقية» ومثل «إنها تحوّل الصحراء إلى بساط أخضر يبهج العين ويسر النفس»، ولا غرو فأهل السودان يحبون الخضرة والنضرة، يتفاءلون بسيدنا - الخضر- الأخضر! وتبارك الله جعل جناته خضراً يقول تعالى- عن أهل الجنة- «ويلبسون ثياباً خضراً من سندس واستبرق»، ولما كانت الشجرة - هي رمز الخضرة كلها فقد خصها الله تعالى بأن شبه بها- كلمة التوحيد فقال جل شأنه: «ألم تر كيف ضرب الله مثلاً كلمة طيّبة كشجرة طيّبة أصلها ثابت وفرعها في السماء»- هذا وقد شهدت الشجرة منذ فجر الإنسانية أحداثاً عظيمة غيرت وجه الحياة - إلى الأحسن- فعند سدرة المنتهي رأى الرسول صلى الله عليه وسلم جبريل، يقول تعالى «ولقد رآه نزلة أخرى عند سدرة المنتهى، عندها جنة المأوى»، ومن الأحداث الجسام التي شهدتها الشجرة- بيعة الرضوان التي أعقبها صلح- فتح طريق الإسلام إلى آفاق أرحب، يقول تعالى «لقد رضى الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحاً قريباً» ومن موقع قريب من الشجرة كلّم الله تعالى سيدنا موسى فقال تعالى «فلما أتاها نودي من شاطئ الواد الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة أن ياموسى إني أنا الله رب العالمين» وكانت الشجرة موئلاً لمن هيأها الله تعالى لهم، فإليها لجأت السيدة العذراء يقول تعالى « وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطباً جنياً» وكانت الشجرة لسيدنا يونس مكاناً طبيّاً- أنبتها الله عليه بعد أن خرج من بطن الحوت- لفائدة يعلهما الله في شجرة اليقطين «وأنبتنا عليه شجرة من يقطين » وما زالت الشجرة عند الكثيرين توحي بأحداث وأحداث، منها صنعت سفينة نوح- ومنها اتخذت الأقلام- ولايزال عشاق الجمال يرونها أجمل ما تشبه به المحبوبة! وقد تتخذ رمزاً للوفاء لبلد بعينه مثل شجرة التبلدي عند الشاعر جعفر محمد عثمان. ذكرى وفاء وود عندي لبنت التبلدي في كل خفقة قلب وكل زفرة وجد ولم تكن الهيئة الانتخابية ببعيدة عن عوالم الجمال- عندما جعلتها رمزاً تحت ظلاله يتفيأ الناخبون جماله «ومنه شجر فيه تسيمون» ولما كان أجمل القول ما كان لمحاً وليس نثراً طولت خطبه، فإني اكتفي بهذه الخاطرة تاركاً للقراء متابعة إيحاءاتها كيف يودون، واختلاف الرأي لا يفسد للودّ قضية.