يجد القارئ، في غير هذا المكان، فحوى دراسة تقول: إن الجيل الحالي في السودان نسخة 2008م، أذكى من جيل عام 1964م بثلاثة درجات..!. قلت في نفسي : هذه محمدة، يجب أن نفرح بها، وشعرت بكثير من الاطمئنان على جيل السودان القادم، ما دام على هذه الدرجة العالية من النشاط، والذكاء الحاد.. ولكنني سرعان ما أعلنت حالة «الرجوع» من هذه الحالة «الفرائحية»، فهذا الجيل الحالي لن يجد سبيلاً لتنفيذ أطروحاته، وتحقيق حلمه، في بناء سودان «حديث وعصري»؛ لأن الأمر ببساطة أن جيل الستينيات من القادة الحاليين، والذي يتربع بجدارة على عرش «أربعة» من الأحزاب السودانية الرئيسية..! ويأبى أن يترك الفرصة للجيل الذكي من الشباب!! وتأبى أيضاً نفسه «الأبية»، و«الطموحة»، إلا أن يتربع على عرش السودان، ويتحكم في أموره وشؤونه بذات العقلية والذهنية، التي تدار بها اللعبة السياسية، منذ خروج آخر جندي بريطاني من السودان، عبر محطة السكة حديد بالخرطوم بحري، في يناير 1956م. لن يجد الجيل الحالي حظه في إدارة شؤون بلده ونفسه، وهذا الجيل «المخضرم» لا يعرف شيئاً اسمه «حق الأجيال»، المهم حق نفسه، وأسرته، ومصالحه الشخصية الضيقة، وهم في ذات الحالة لا يفرقون بين الوطن وحدائق منزلهم «الخلفية»..!! ولا يعرفون بعد المسافة من «الضيعة» ومن الوطن .. أنا أجزم تماماً، وأتمنى أن تقوم مراكز دراسات مختصصة بالنزول للشارع العريض، وسؤال الأغلبية الصامتة والمهمشة، هل يعرفون شيئاً عما يدور داخل الأحزاب هذه الأيام، من مناكفات ومشاحنات وصراعات وكلام لا يؤدي ولا يجيب، وذاك يتهم أمريكا، وهذا يلعن الوطن، وهذا يسخط في أحزاب جوبا!! وأحزاب جوبا تمشي لدار فلان. وعلان يتعشى ويتمطي في دار فرتكان، ويقول: أريدها قومية!! وذاك يصرخ: جهوية، وهذه تقول: اتئلافية، والخ المسرحية المشروخة، التي يتم عرضها على خشبات مسرح بلا جمهور..!. نعم مسرح بلا جمهور، أقرأوا ثلاثة، أو أربعة، من صحف الخرطوم اليوم، لن تكتشفوا شيئاً جديداً، ولكنهم ستتأكدون من حقيقة واحدة، أن هذه الأحزاب «قديمها» و«جديدها» والمسلح منها، و«المصلح» «يدورون ويلفون» في وادٍ، والشعب في وادٍ آخر، قطعاً هو ليس ذا زرع، ومن أين يأتي الزرع والضرع، في خضم هذه اللعبة السياسية الممجوجة «المسيخة».