والآن.. وبعد أن انجلت المعركة.. وهجعت الخيول.. وسكتت البنادق.. وعاد السكر.. إلى قواعده سالماً.. وعادت.. أسعاره إلى علبها.. بعد ذاك الجن الذي اجتاح.. ذراته البيضاء.. لكم أن تسألوا: ما علاقة العنوان أعلاه بتلك المعركة..؟ ومن هم الفاشلون.. تحديداً..؟ لنقول.. إن أزمة السكر العارضة.. المقصودة.. المحددة زمناً وميقاتاً معلوماً.. والمرسومة خطةً.. والبارعة تنفيذاً.. قد كشفت لنا بجلاء أن هناك جهات بائسة.. فقيرة من ذرة واحدة من عقل.. أو متواطئة.. في تعمد.. قد تبدي فشلها التام.. والظاهر للعيان.. وشاء رب العزة.. أن يكشفهم لنا.. وذلك بأن جعلهم يرتكبون غلطة عمرهم.. وهو اللعب في أسعار السكر في عز.. بل في ذروة أيام إنتاجه.. وعليه.. إن الجهات التي لا نعلمها.. والمختفية عمداً.. المستترة خلف أستار الظلام.. هي التي جعلت سلعة.. هي «الطعم الحلو» الوحيد في حلوق الشعب السوداني.. يسيطر عليها ثلاثون تاجراً فقط.. وهؤلاء هم أول الفاشلين.. نأمل من الحكومة أن تقول لهم وداعاً.. ثم نأتي إلى الفئة الفاشلة.. الثانية.. وهي هؤلاء التجار الثلاثون.. والذين «لهفوا» وفي مدى أسبوعين فقط ملايين الجنيهات.. بل امتدت أيديهم ليس خلسةً ولا خفية..ولا تحت جنح الليالي الحلوكة.. امتدت أيديهم إلى«جيوب» البسطاء.. و«مَحافظ» البؤساء.. لتسرق.. عنوة ورجالة.. وتحت سمع وبصر الحكومة.. أموال.. بل حفنة جنيهات من كل محفظة من كل «جيب».. لتتراكم تلالاً من الأموال.. وهو فرق السعر غير المبرر في كل رطل سكر.. هؤلاء هم الفاشلون.. ونأتي إلى الصامتين.. وأعني بهم علماءنا.. الأفاضل وخطباء المساجد الموقرين.. وهنا لا نملك لهم غير العتاب.. فقط العتاب.. لأن أملنا فيهم كبير.. وسيظل كبيراً بإذن الله.. ونسألهم.. أين كنتم وأنياب التجار الدموية تنغرز في لحم وحتى عظم المواطن المسكين.. لماذا لم توظفوا المنابر.. إبان الأزمة.. لتلعنوا من يضيّق على المواطنين.. ونسألهم.. ونقول لهم.. نعم نحن نعرف أن الله قد أحل البيع وحرم الربا.. ولكن أليس في الإسلام ضوابط.. وحوائط من الأخلاق الشاهقة تمنع أي تاجر من استغلال ظرف وحاجة أخيه ثم يشقيه تشفياً وغلظة.. واستحلاباً لأمواله.. ألا تعتبر سلعة السكر من أقوات الناس.. ألا يمنع الإسلام الاحتكار.. وأيهما أجدى وأنفع للمسلمين.. أن تهدروا وقتكم.. وتضيعوا فرصكم.. والمصلون يحتشدون بالآلاف في مساجدكم.. أيهما أنفع وأجدى.. أن تحذروا من هابط الغناء وهوس «الكورة».. والنقاب وعورة المرأة.. أو توعظوا غلاظ الأكباد الجشعين من التجار.. وتشرعوا ضوابط السوق الحر الأخلاقية.. وحواجز وموانع الإسلام.. وشرع ذاك الباب الشاهق.. المضيء من الدين في فقه البيوع والتجارة.. وحسن المعاملة.. ورحم الله رجلاً سمحاً إذا باع وإذا اشترى.. أما الجهة التي لاذت بالصمت.. إبان المحنة وفي خضم الأزمة.. فهي بكل أسف.. جمعية حماية المستهلك.. ولهم نقول.. شكراً جزيلاً.. لكم.. لمقصدكم النبيل.. لأمانيكم وأحلامكم الشاهقة.. لكم أحبتي أجر الاجتهاد.. أما الإصابة.. فإنكم لم تصيبوا ولن تصيبوا.. ومن الآن وصاعداً.. نقول لكم وفروا وقتكم وجهدكم.. وحرق أعصابكم.. و«فرتقوا» هذه الجمعية.. إنها لن تفعل شيئاً.. مطلقاً وبتاتاً.. كفى سعيكم.. المشكور ويا شلقامي.. ويا دكتور ياسر ميرغني.. إن وحوش السوق لا قبل لكم بها.. مطلقاً.. فها هو المستهلك يشترى يومياً.. سلعاً مضروبة.. بائسة فقيرة ومهترئة.. تجوّلوا في الأسواق.. لتكتشفوا أنكم لم تحمونا مطلقاً.. نحن نشتري حنفية المياه بخمسة جنيهات.. ولا تصمد أمام «سرسار» الماء أكثر من أسبوعين.. نشتري «بطارية» الضوء «أبو حجرين».. نشتريها بحفنة جنيهات.. و«تبوظ» حتى قبل إدخال حجارة البطارية إليها.. نشتري.. الملابس الجاهزة.. وتتهرّأ من أول «غسلة».. أنتم لا تستطيعون.. فعل شيء.. لرداءة وبؤس البضائع.. ولا تملكون سلطاناً على تثبيت أي سعر لأي سلعة.. وببساطة لأنكم لا تملكون أدوات ردع.. أو أسلحة حماية للمستهلك.. اقتلوا أحلامكم في صدوركم.. ولا ترهقوا أنفسكم.. لنقل تجربة حماية المستهلك.. وتلك الجمعيات الهائلة في العالم الغربي.. فتلك جمعيات أكثر خطراً وخطورة.. بل أقوى من الحكومة..