برغم مشاغله العديدة وحمله الثقيل وتكاليفه التي لاتحصى، فقد ترك الرجل الخرطوم وأهل الكلاكلات العزيزين ولمدة يومين بلياليهما في زيارة خاطفة الى أناس آخرين عزيزين الى نفسه أهل نيالا وما أدراك ما نيالا, البحير غرب الجبيل كما يحلو لأهلها والحاج من أهلها. كلما غلبته العبرات وانحبست العبارات وهو رجل معروف من أهل الفصاحة والحديث لا يتلعثم كان يردد نيالا.. نيالا مثل شاعرنا القديم مع الشلال العظيم نياجار..ا نياجارا أو المغني الأمريكي فرانك سانترا وهو يردد نيويورك .. نيويورك فالمدن والأماكن ٍ مثل النساء يعشقها الناس، الزمان ليس الزمان، المكان ليس المكان، والرجل غير الرجال, نيالا هنا المكان والرجل عطا المنان, هنا العبقرية ( لو قالوا ليك أوصف تفتكر تقدر تقول كل الحقيقة؟.. طبعا لا).. أتى الحاج الى نيالا والياً والحرب يستعر أوارها، وألسنة اللهب ترتفع عند أطرافها، وكثيرون ظنوا أن المركز قد قذف به، ليحترق كما احترق الذين سبقوه من الولاة، بعضهم جنرالات وبعضهم رجالات أفذاذ وكنا نحن المشفقين عليه، ندعوا سراً يا نار كوني برداً وسلاماً عليه, على مر السنين كانت نيالا عصية على بنيها من الحكام، تأكل بعضهم ويذهب بعضهم غير مأسوف عليهم, وعندما كنا صغاراً كانوا يخوفوننا بنيالا وأسد نيالا، أتى الحاج وروَّض هذا الأسد وصار يمشي معه أليفاً. وخرج من هذا الحريق وهو يزداد (سنا) هو رجل من ذهب تزده النار لمعاناً وبريقاً، واليوم يعود وبعد غيبة دامت لأكثر من سنتين، غيبة وجود وليست روح, فنيالا وأهل نيالا وأهل دارفور معه صباح مساء، فهم يلاحقونه في حله وترحاله، وهو أيضاً يلاحقهم عجباً لهذا الود الذي لا ينقطع، أتى اليوم ولم يأتِ وحده، بل معه كوكبة مختارة وبعناية من كنانته، كلٌ منهم سهم ترمي به ولا تسأل عن الرمية، جاء في معيته المدير العام لبنك التنمية التعاوني الإسلامي بنك المستقبل وجنوب دارفور، وأهل نيالا يعرفون بنك التنمية جيداً علمنا أن البنك قدم أكثر من ثمانين ملياراً من خلال هذا الفرع ليكون الأول بين الفروع بعد الفرع الرئيسي الخرطوم.. هذا المدير الشاب عبدالخالق رجل خلاق أتى ليقول للناس هنا سوف نستمر في دعم القطاعات الاقتصادية، ونيالا مدينة الاقتصاد الأولى في غرب السودان والبوابة الى غرب افريقيا، وبشر الشرائح الضعيفة بتفعيل التمويل الأصغر وسوف يشهد البنك نشاطاً مكثفاً في الفترة المقبلة، وجاء معه هشام التهامي أمين مجلس الإدارة للبنك شاب غاية في الإنسانية، سألني أحدهم من هذا الشاب البهي الفصيح، قلت له هذا هشام ابن ذلك الشاعر، والأديب أحمد التهامي الذي أصدر ديواناً كاملاً في (الدعي النذل) أوكامبو أو (كمبو) كما يقول أهلي في دارفور، فاجأني هشام بقدراته الخطابية والبلاغية العالية فقد كان لسان حالنا. كما شرفنا ولأول مرة بدارفور المهندس عمار محجوب الحسين المدير التنفيذي لهيئة رعاية الابداع العلمي، والأمين العام لشبكة سنا للعمل الطوعي، فهو شاب مبدع جمع بين العلم والإنسانية والإبداع، (سنا) للعمل هذه الشبكة، (سنا) يرأس مجلس أمنائها المهندس الحاج عطا المنان تضم عدة منظمات وهيئات تعمل في مجال الصحة، والبيئة، والمياه، والإسكان، والتعليم، وحقوق الإنسان، وبناء القدرات وكل مجالات العمل الإنساني والطوعي، والابداعي، جاءت شبكة سنا لتضئ نفق دارفور المظلم، وسوف تشهد مقبلات الأيام حضوراً قوياً لمنظمات الشبكة في دارفور، لم يغب عن هذه الرحلة ابراهيم البدراني مدير (السقيا) إرتبط بأهل دارفور وأهل نيالا، سقاهم ماء غدقاً وحديثاً عذباً فهو رجل سهل، أما أنا وأخي الكاشف المقدم ايهاب، فلنا شرف الرفقة الطويلة الممتازة مع المهندس ما يقارب العقدين من الزمان تحت الخدمة، نقول مثل الصحابي انس عندما قال خدمت رسول الله صلي الله عليه وسلم فلم يحدثنِ يوماً لِمَ فعلت هذا، ولِمَ لم تفعل، كثيرون حرموا من رفقة الصالحين، عندما نعود الى نيالا نتذكر أياماً عصيبة في بداية الأزمة، فنيالا بالنسبة لي مثل مدينة جدة لأهلها يقولون (جدة غير)، ليست كغيرها من المدن، وأنا أقول ( نيالا غير)... في الرحلة أيضاً الأخ عماد رزق من المعروفين في نيالا، له ذكريات عجيبة وهو من مواطني معسكر كلمة، رجل ولوف و(الولف كتال)، كما يقول المثل في دارفور.. أما سليمان أسد المنصوري أسد مروض من أصول اقليم دارفور، كان من نصيب جنوب دارفور في تقسيم الأصول البشرية المسئول عن العلاقات العامة، ومنظم الرحلة، يجيد عمله بصورة رائعة ومن قبلنا جميعاً كان الجيلاني عمر تريبو -رجل رزين- الأمين السابق لحكومة جنوب دارفور من أفذاذ الإداريين.. أما المهندس الطيب جادين فهو أكثرنا حظاً.. فالكمرات تلاحقه وهو يوقع عقوداً بأكثر من خمسين مليارا لانشاء طرق جديدة، هذه ولاية الطرق، وأن واليها الدكتور عمر أحمد عبدالجبار والذي عرف بصراحته ووضوح رؤيته، للأشياء وبالرغم من قصر مدة تكليفه، إلا إنه اختا ر أن يبقى في نفوس الناس، وذلك بعمل ما ينفع الناس وما يبقى في الأرض والطرق مما يبقى في الأرض.. دكتور عمر من الخبرات النادرة جمع بين العلم والسياسة، حدث له تراكم كبير خاصة في مجال التعامل مع المنظمات والدول، ودارفور مقبلة على مشروع مارشال، ومرحلة تنموية كبرى، اتوقع لدكتور عمر شأناً عظيماً.. الرجل وحكومته رافقونا طيلة هذين اليومين ووضعوا برنامجاً رسمياً للمشروعات القائمة، المتمثلة في طريق بليل نيالا، ونيالا كاس ومشروع الإسكان والمسلخ، ومركز الحاج عطاالمنان التشخيصي، كان الوزراء آدم وآدم وفرح، وجادين وبقية الوزراء والمستشاريين والمعتمدين كانوا حضوراً، ومنشرحين لكل واحد منهم قصة وذكريات مع الحاج، أراهم يبادلونه الابتسامات سراً، كانوا يوماً رجاله الذين قاتلوا معه، أما الشرتاي ابراهيم حكيم دارفور، فالحديث عنه يطول، ولكن يكفي أنه قبل أسبوعين بعث به أهل نيالا ليكون ممثلهم في تدشين حملة الحاج بالكلاكلة، فالعلاقة بين نيالا والكلاكلة قديمة، فقد تحرك الحاج من الكلاكلة الى نيالا، عندما تم تعيينه محافظاً لمحافظة نيالا في بداية التسعينيات، تحدث الشرتاي في ذلك اليوم حديثاً.. وقال لهم: إن الحاج كان يمكن أن يكون مرشحاً من نيالا، ودائرته مضمونة، ولكن للحزب تقديراته، حدثني أحدهم بأن الحاج لا يحتاج الى تدشين ولا الى دعاية، فانجازاته تتحدث، نعود الى نيالا ونقول.. إن الزيارة أحدثت حراكاً سياسياً واجتماعياً واقتصادياً، وأعادت الأمل الى النفوس، فقد تم توقيع أربع مذكرات تفاهم في مجال توفير الدواء، ودعم فقراء المرضى، وتوفير السكن للفقراء، وكفالة الأيتام وبلا شك هي زيارة لها ما بعدها، وأثبتت شيئاً جديداً هو أن الحاج عطاالمنان رجل ليس له تاريخ صلاحية فهو صالح لكل زمان ولكل مكانٍ.