تحت عنوان «انتخابات السودان: تعليم الأفيال الطيران»، كتب قبل أيام جون أكيك في «ذا ستيزن» مقالاً مثيراً، قال فيه إنه التقى مؤخراً في جوبا بدبلوماسي من جنوب السودان عاد من مقر عمله بالإتحاد الأوربي للتفرغ للعمل ضمن فريق حملة سلفا كير الانتخابية وإن الدبلوماسي الذي وصفه في المقال بأنه كان أميناً مع نفسه، قد قال له «إنها المرة الأولى في التاريخ التي يطلب من حركة حرب عصابات أن تمارس الديمقراطية خلال مثل هذه الفترة الوجيزة، ثم قال إنه قاطع الدبلوماسي بقوله: إن حزب المؤتمر الوطني الأفريقي في جنوب أفريقيا كان يشن حرب عصابات مثل الحركة الشعبية، إلا أنه لم يجد مشكلة في التنافس الانتخابي وممارسة الديمقراطية ليرد عليه الدبلوماسي بالإشارة الى القاعدة التي بنيت عليها الحركة الشعبية والى تركيبتها والى حال جنوب السودان قبل السلام.. والمتأمل في ما أورده أكيك واعترافات الدبلوماسي المتبني لحملة سلفا كير التي عاد من أجلها كلها تؤكد أن الدبلوماسي بنى حديثه من معرفته بروح الحركة وتعقيداتها ومن مشاهداته للواقع عقب عودته، حيث ظلت الحركة تؤكد في كل مواقفها أنها ما تزال تتحرك بروح الماضي، وقد أوردت القارديان البريطانية أمس تقريراً حول الحياة في مدينة بور مسقط رأس الزعيم الراحل د. جون قرنق، اختتمته بقولها إن الوزراء يأتون اليها وهم يحملون الأموال التي تأتيهم من الخرطوم في حقائب كبيرة لعدم وجود خزائن للأموال، وإن المرتبات ترسل للعاملين في جوالات، ليؤكد ما أوردته القارديان أن الحركة فعلاً ما تزال تتعامل بروح حياة الغابة بلا حسيب أو رقيب على الأموال فيها، وبالمثل تؤكد من تضارب أقوال قادتها ومواقفهم يوماً وآخر إنها لم تتغير لتستعد للديمقراطية أو الاستفتاء ولا دليل أن ما يقوله رئيس الحركة الذي يدعمه الدبلوماسي العائد من الإتحاد الأوربي تخالفه أقوال عرمان وباقان وإدوارد لينو الذين يقولون ما هو في الاتجاه المعاكس، وربما هذا ما جعل سلفا يتخلف عن اجتماع الرئاسة الذي تأجل أمس الأول لعدم وجود موقف موحد داخل حركته المنقسمة، الشيء الذي استغلته الأحزاب الأخرى المعارضة، والتي تتخذ من الحركة مطية لتحقيق أجندتها مستفيدة من مشكلاتها بالرغم من أي تأجيل للانتخابات ستكون هي الخاسر الأكبر فيه، بحسبان أنها شريك أساسي في الحكومة وأن الانتخابات جزء من الإتفاقية الموقعة مع شريكها الوطني وأن بقية أحزاب جوبا هي خارج التشكيلة المستفيدة من تنفيذ الإتفاقية، كما أنها نشطت في عملية التسجيل على عكس بقية القوى، إضافة الى أن إصرار الحركة على تأجيل الانتخابات قد يقابله شريكها بالإصرار على تأجيل الاستفتاء الذي تحرص الحركة للقفز اليه، والذي هدد باقان أموم في هذا السياق بانضمام الشعبية الى أحزاب المعارضة لمقاطعة الانتخابات، وقلل من تحذير الوطني بإلغاء الاستفتاء حال عدم قيام الانتخابات.. ويكشف للعالم أن الحركة لا تعرف الالتزام بالمواثيق وتريد بمنهج الغابة التحالف مع المعارضة ضد الوطني الذي يجمعها معه ميثاق شهد عليه العالم الذي يدعم هذه الأيام قيام الانتخابات في موعدها كبند مهم في تنفيذ إتفاقية السلام، أما ممارسة الحركة لانتهاك الحريات فقد أقر بها مرشحها للرئاسة ياسر عرمان الذي قال في مجهر «سونا» نعم هناك تجاوزات على الحريات في الجنوب، والأخطر من ذلك اتهام مرشحها للموفضية جهراً بالفساد، الأمر الذي قد يجعل المفوضية تلجأ لمقاضاة كل من يتهمها دون دليل. أخيراً.. ليت الدبلوماسي العائد يقنع سلفا بخطورة قيادة المعارضة للحركة تجاه مقاطعة الانتخابات، والتي سيكون الخاسر الأكبر في حالة ركوبها سرج المعارضة، هي الحركة.. وليته يقنعه بعدم ترك الحبل على قارب من هم أعلى صوتاً وأكثر قرباً من أحزاب المعارضة لأجندة يعلمونها، والتي تبتعد عن قناعات سلفا كير والقريبين مِنْ مَنْ لاذوا بالصمت في زمان برطعة الجناح الآخر مع المبرطعين من الأحزاب غير الجاهزة للانتخابات، والتي تريد أن تستغل مشكلات الحركة وظروفها وعدم قدرتها على أن تكون مثل المؤتمر الوطني الأفريقي بجنوب أفريقيا لتحقيق أجندتها.