قال المتنبي: ما قال لا قط إلا في تشهده.. لولا التشهدُ كانت لاءه نعم.. بعض ما جاء في خطاب الأستاذ علي عثمان محمد طه في مؤتمر الحركة الإسلامية الأخير عبارات واضحة المعاني وبصوت عالي النبرة.. هيبة وجبرة.. من تلك العبارات: لا للأمم المتحدة.. لا لمجلس الظلم الدولي.. وحبس الناس أنفاسهم.. ونزلت بالمؤتمرين السكينةُ من سماء ذكرياتٍ قديمة.. وحفّتهم أشواق التحول.. وذكر المؤتمر أيام أمريكا روسيا قد دنا عذابها فيمن ذكر.. وتحسس الناس مواطن العز في دواخلهم ومظانّ العزة بين الجوى والجوانح.. وكان الأثر المعنوي للخطاب التعبوي عندنا في القوات المسلحة أننا يمّمنا إلى المسرى.. وكدنا نبلغ المسرى.. لولا أن فايروس اتفاق التعاون وحمى التفاوض «تاورت» المفاوض الحكومي من جديد فقام يدعو قائلاً صبرا.. فالقينا ضحايانا وقلنا إنه أدرى.. والقينا بباب الصبر أرتالاً من القتلى وارتالاً من الجرحى وارتالاً من الأسرى.. وهدّ الصبر رحم الصبر حتى لم يطق صبرا.. فأنجب صبرنا صبرا.. وثامو مبيكي لم يرجع لنا من أرضنا شبرا.. ولم يضمن لقتلانا بها قبرا.. ولم يحدث لنا من أمرها ذكرا.. لكنه.... ثم انقضت أيام المؤتمر وانفض سامره بعزّ عزيز و«عز عزيز».. لأننا لن نُذل ولن نُهان ولن نُطيع الأمريكان.. ! وأهلنّا زمان التفاوض.. والانحسار التدريجي للمواقف ينحدر وينكسر ثم يتدحرج من قمة «لا لمجلس الظلم الدولي» ويمر بحالة من الانحناء والانثناء والتثني ليعبر بالبلاد والعباد من أسفل القرار «2046» حتى لا نصطدم بمجلس الظلم الدولي.. والمفاوضات بين السودان وجنوب السودان تنتهي إلى جدولة زمنية تقتضي سلسلة من الأعمال المتعاقبة في حدها الأدنى.. وإلى تعهد مكتوب جاء فيه «أنا سلفا كير ميارديت رئيس حكومة دولة جنوب السودان بالقدر الذي أملك من المتبقي من قواي العقلية وحالتي المعبِّرة شرعاً عما ألاقي من تفلت القادة الميدانيين وانفلات السادة أعضاء حكومتي واستقوائهم عليَّ بقوة القبيلة وخروج الموضوع من أيدي.. وحاجات تانية حامياني.. أتعهد بأنني سأحاول أن أعمل جاهداً وبكل ما أُوتيت من قوة لسحب الفرقتين التاسعة والعاشرة من جنوب كردفان والنيل الأزرق إن استطعت لذلك سبيلا.. وأن أحاول أن أتقدم بطلب رسمي لقادة تمرد دارفور وأدعوهم للتكرم بمغادرة البلاد «لو ما عندهم مانع جوهري» وآذنت لمن يشهد وثامو مبيكي على ما أقول شهيد..» والوسيط الإفريقي ثامبو مبيكي يجلس على كرسي الوساطة ويحرك ساقيه في اتجاه عقارب الساعة تارة وتارة عكس اتجاه عقارب الساعة ويقول للمفاوضات امطري حيث شئت.. فإني قد شهدت.. إني قد شهدت.. والوسيط الإفريقي ثامو مبيكي يكسب ويكسب وتتمدَّد مكاسبه من الدولارات بامتداد أجل التفاوض.. من القليل الذي نعرفه عن الوسيط مبيكي أننا لم نلمس فيه ميلاً للتوجه الإسلامي.. ولم نعهد به ميلاً لإنفاذ مطلوبات المشروع الحضاري.. ومن القليل الذي نعرفه عن الوسيط مبيكي أنه يدين بغير دين الإسلام من بعد ماتبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين.. وإذا كان الفقه الميسر يقوم على أن لا عهد لمن لا دين له ولا إيمان لمن لا أمانة له أليس من البداهة أن لا أمانة لمن لا إيمان له..؟ فإذا ضاع الإيمان هل من الحكمة أن نبحث عن الأمانة عند الأمانة العامة لمجلس السلم والأمن الإفريقي..؟ أو مجلس الظلم الدولي؟ مهما يكن من أمر فإن متوالية التفاوض وما تتمخض عنه من مصفوفات ومحدِّدات ولغة رياضيات برع في مسمياتها المفاوض الحكومي ليست هي العلة.. ليست العلة في إحكام النصوص المحكمة وصفّ المصفوفات.. العلة في «لا أمانة لمن لا إيمان له.. ولا عهد لمن لا دين له..». سلفا كير ووراءه حكومة الجنوب لا دعوة لهم بما يوقعون من اتفاقات.. سلفا كير ومن معه غير مسؤولين عن أي اتفاق أو مصفوفة أو نظرية ذات الحدين.. سلفا كير يوقع ويعد ويمضي.. يمضي ويترك العفش داخل البص على مسؤولية ثامو أمبيكي.. ومبيكي ينام ملء جفنيه عن شواردها ويختلف الخلق جرّاها ويختصموا.. تري هل مجلس الظلم الدولي مجلس عادل؟ أم أن مجلس الأمن الدولي مجلس ظالم.. أم تكاثرت الظباء على خراش.. فما يدري خراشٌ أي الظباء يصيدُ..