أخي الكريم الأستاذ محجوب حفظه الله هي بعض من رؤى ومشاهد نثبتها في حق هذا الوالي، وابن البلد الأصيل عساها تجد طريقها للنشر ببابكم العامر بإذن الله ( ولكم من الشكر أجزله). * إيلا هذا الفارس النبيل الذي يرتاد بالشرق وعروس الثغر الآن مراقي النجوم، ودود بشوش حين يلقاك، يسبقه الأدب الجمَّ والتواضع السمح الكريم ،وأنت تجلس إليه تأسرك البساطة والتلقائية عنده، حيث تنسى أنك في حضرة مسئول كبير بكل هذه القيم السمحة الفاضلة النبيلة. وهي قيم كل أهلنا في الشرق الذين ترعرعنا بينهم وعشنا معهم في الحل والترحال. تتداعى أمامي الآن كل صور الماضي الجميل الرائع روعة الحياة الماضية، وأنا أجلس بالصف الأمامي بالسنة الأولى جنوب بمعهد بورتسودان العلمي وقتها، كان ذاك منتصف ستينيات القرن الماضي.. حيث كنّا طلاباً بهذا المعهد العريق، ننهل من معينه الدفاق الذي ما بخّل به علينا يوماً من شتى ضروب العلم والمعرفة، والتي أعانتنا كثيراً في دروب الحياة ونحن نتلمس الخطى على مسارح الحياة العملية بعدها بهذا السودان القارة. والذكرى تلح وتقف بي عند ذاك المربي الجليل الفاضل الشيخ محجوب زيادة حمور، سلام عليه في الخالدين، والذي كان مديراً لهذه المؤسسة العريقة لحظة ولجنَّاها في تلك الأيام، ومعه ثلة طيبة من الآباء المعلمين، نذكر منهم أستاذ الأجيال أيوب.. والأستاذ عبد الحميد، عبد الرحمن عبد المعروف، عوض فيزياء، وبقية العقد الفريد من الذين لم تسعفنِ الذاكرة بأسمائهم من ذلك الجيل العملاق، الذين تشربنا منهم الفضائل والأخلاق، قبل العلوم وأشكالها فلهم العتبى حتى الرضى.. وقتها كانت بورتسودان عروساً للشرق، يجلس على قمة الهرم الإداري فيها معتمد تلال البحر الأحمر . والمدينة كانت أهم سماتها الجمال الساحر الخلاب، والنظافة التي تطالعها الأعين أينما نظرت أو بحلقت، حيث كانت تغسل شوارعها عربات البلدية في ذاك الزمن النضير أشياء يظل رنينها في الأعماق من سحر هذه العروس، رغماً عن توالي الأيام والسنين بقيت في الخاطر تلح وتؤرق. عبق الأحياء القديمة ينفذ الى النفس فيملأها بهجة وحبوراً، أحياء تظل حاضرة فينا دوماً وأبداً.. ديم المدينة والعرب.. سكة حديد سلالاب، أبو حشيش سلبونا... هدل، ديم التجاني، وشيخ الديوم،. ديم سواكن، وديم موسى، ديم جابر وكوريا، والجناين دار السلام، ديم الشاطئ،. ترانسيت، حي السوق، والأغاريق. أسواقها عريقة وجميلة بروائحها المميزة النفاذة، التي تخترق مسامك، حركتها دائبة ودائمة، تموج وتمور بالنشاط والحيوية صبحاً ومساءً. تضم بين شغافها كل الأجناس التي انصهرت فيها وصارت جسماً واحداً تذكرني بمدن السواحل والمدن القديمة. تجد فيها أهل الشرق بكل سحناتهم وقبائلهم، ثم البلويت من شوايقه، وجعليين، وبديرية، ونوبة، وأفارقة، وهنود، بنيان، أفغان، أغاريق، أتراك، شراكسه، صعايدة، شوام، ثم أهل الحجاز وأهل اليمن. أفراحها لها طعم خاص وأتراحها مختلفة عما سواها، وهي الأم الرؤوم لكل هذا التباين، وهذه المسميات لا فروق ولا فواصل بين الناس، حيث قيم التكافل والتراحم، هي التي تسود بينهم. ومضى الزمان دورته ، وجاءت أزمان سرتها وأزمان أبكتها، هذه المدينة العريقة شاخت وكبرت وامتدت إليها يد النسيان مرة وأيادي الإهمال مرات ومرات، وأصبح الحال يغني عن السؤال، كما يقولون جفَّ الضرع والحرث وانفرط عقدها وتناثر وانفض سامرها فأصبحت كمدن الضباب والأشباح مثقلة بالهموم والأوجاع ، هاجمتها جيوش البعوض والذباب.. وفي وضح النهار، وكأنها تسخر من صحة البيئة، وإصحاح المدن،. وأصبحت أغنية تموت على اغتراب - رحل الشذى عنها وجفَّ الحرف في غدها وغاب. إيلا سادتي مسكون بالإبداع والجمال، حيث الفكرة والمنهج اللذين تشربهما، وعاش لهما فالله جميل يحب الجمال، والنظافة من الإيمان.. والمؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير( كما يقول المصطفى عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم) . أصبحت بورتسودان عروساً تباهي كل الجميلات من المدن والحسان في الخرطوم، التي قال شاعرها يوماً: يا الخرطوم أنا عندي جمالك... جنة رضوان) أصبحت تغار من عروس الثغر الباسمة الحالمة. قامت البنايات الشاهقات، وسمقت تعانق النجوم وقامت النهضة والعمران طرقاً، وكباري، وأحياء جديدة، ومصانع، وشبكات مياه ومجاري، شهدنا المواسم الرياضية، والثقافية، والسياحية، وامتدت بالناس الليالي العامرة بالأفراح وعادت أيامها الجميلة والزمن الجميل وتعمقت في النفوس الثقة في الغد المشرق المأمول لهذا الإقليم ولعروس الثغر والتي أصبحت عروساً لكل مدن السواحل من دول الجوار بعد امتداد الطرق الساحلية التي تربطها بها. فيا أهلي في الشرق ويا أهلي في الثغر، القومة ليكم والانحناءة لكم ويا أهلنا في البحر الأحمر ويا أهلنا في الثغر الله الله الله في إيلا. وهنيئاً لكم بهذا الوالي الهمام هذا الغمام الذي أحال أيام الشرق أعياداً وتنمية وازدانت مدنكم جمالاً وبهاءً وألقاً . لك منا سيدي الوالي تحية الإسلام الخالدة وحياك غمام الشرق الهطول وكفانا متعة أنك أعدت لنا الدهشة في دواخلنا بكل ما هو جميل وخلاق، فدعنا نحلم بالبشارات القادمات لهذا الشرق الحبيب، وقديماً قال شوقي عليه رحمة الله: قد يهون العمر إلا لحظة وتهون الأرض إلا موضعاً أما اللحظة فلكل لحظة شكلت عمري بهذا الشرق العظيم وأما الموضع فلكل ذرة لامستها خطاي على ترابه الحبيب.. ولكم مني التحية والإجلال عميد / عبد الرحمن حسن سيد أحمد