يخطئ من يظن أنه قادر على فك شفرة الأسرار المدفونة لشريكي نيفاشا الوطني والحركة.. فالأثنان معاً تربطهما علاقة مصالح مشتركة وبينهما أسرار لم يطلع عليها أحد بعد.. ولعل المتابع لمسيرة السياسة السودانية الداخلية من توقيع اتفاق نيفاشا، يلاحظ أن العلاقة تتوتر بينهما إلى حد القطيعة والمفاصلة، ولكن سرعان ما تستوي الأمور، ويجمع الطرفان خندق واحد، ويقفان وراء ساتر حديدي يحميهما من أسلحة الدمار التي تستعملها القوى المعادية لاتفاق نيفاشا من جهة، والتي تكن عداءاً مستحكماً لشريك الحركة المؤتمر الوطني. سيناريو الانتخابات منذ إيداع قانونه على منضدة البرلمان وحتى إجازته وإقراره، ظل العابثون يسكبون الزيت على النار، ويوجهون النيران ليحترق الشريكان معاً، ومع ذلك تفشل المحاولات، لوعي قيادات الوطني والحركة معاً وحرصهما للسير معاً في سبيل تحقيق المصالح العليا للشمال والجنوب، حسب ما جاء في بنود اتفاق نيفاشا، ومهما تعالت الأمواج واندفعت لتحطيم سفينة نيفاشا، تظل السفينة ثابتة وتصل إلى بر الأمان. شاهدنا جميعاً الأحداث المبكية الضاحكة في الترشيحات للأحزاب السياسية على جميع المستويات.. وشاهدنا المسرحيات هزيلة الإخراج وصيحات الرموز.. الغاء .. تأجيل.. من أبريل إلى نوفمبر.. إلى مايو، فهل يأتي شهر يونيو بعدهما؟.. وسمعنا العويل والصراخ لقيادات القوى السياسية.. الانتخابات مزورة، غير نزيهة، وكأن الانتخابات سوف تجري داخل أروقة حزب المؤتمر الوطني، وكأن صناديق الاقتراع كُتب عليها مليئة بأصوات الوطني. لا يا أحزابنا السياسية، ما هكذا السياسة، وكيف تكون الانتخابات مزورة وغير نزيهة قبل قيامها.. هذا المشهد يذكرنا بمباريات كرة القدم.. قبل أن تبدأ المباراة.. والملعب خالٍ من اللاعبين، والحكم، ورجال الخط، يصيح أحد المشاهدين.. (هذه الكرة مباعة)، ودخل الشارع السياسي أخيراً في لعبة الانسحابات، والشروط، والطعن، في نزاهة المفوضية القومية للانتخابات.. وكيف تنحاز لجهة ما، وهي مؤسسة حيادية، وعلى رأسها رجل مشهود له بالصدق والأمانة، وحوله رجال أعلام سودانية، ليس هناك مجال للشك في آدائهم ونزاهتهم. العالم الدولي والاقليمي يراقبنا الآن عن كثب، وباركت المنظمات العالمية قيام الانتخابات في موعدها المحدد.. وإذا كانت الأحزاب حتى الآن لم تستعد لخوضها، فأين كانت منذ اتفاق نيفاشا؟ وأن الانتخابات مرحلة مهمة للوصول إلى الاستفتاء على تقرير مصير الجنوب.. وكيف يتعاملون مع عناصر بالحركة الشعبية وتخفي عنهم حقائق وأساسيات مهمة.عموماً وحسب افرازات انسحابات مرشحي السباق الرئاسي، وخاصة القرار الخطير الذي اتخذته الحركة الشعبية بسحب مرشحها الرئاسي الأستاذ ياسر عرمان.. هذا الحدث المهم ألقى على العملية والحملة الانتخابية بظلال كثيفة، واحتار المراقبون السياسيون بالداخل والخارج في تفسيره، فمنهم من فسر هذا القرار على أنه سر من الأسرار المدفونة بين الوطني والحركة، ظهر في الوقت المناسب، خاصة وأن المؤتمر الوطني لم يقدم أي مرشح بالجنوب، لينافس الفريق سلفاكير على رئاسة حكومة الجنوب، أما البعض قالوا الانسحاب جاء كرسالة واضحة لشيوخ السياسة، بأن ليس وحدهم الذين يجيدون فنون السياسة وتفجير الألغام.