يا لروعة الذكريات الرائعة.. ويا لبهجة التذكارات الجميلة.. وحلوة.. هي الساعات أو اللحظات التي.. تذكرك بأيام بطعم الشهد قد تصرمت.. رغم الماضي السحيق ودوران عجلة الزمن.. تكاد تحس بطعم العسل في ثنايا لسانك.. عندما.. تشاهد أو تسمع.. أو تعيش .. لحظة تذكرك بلحظات خالدة في مؤخرة عقلك.. محفورة في تجاويف صدرك.. هنا وعندما تنفجر أشرطة.. الزمن البديع.. أمام عيونك.. تعود القهقري.. إلى ساعات الزهو المزهوة.. وكل ذلك.. انفجر فجأة.. كوابل المطر.. وأنا أعيش الآن أيام الانتخابات.. رغم أني.. بعيد عن حياضها.. بعيد عن صناديقها.. وأوراقها وأحبارها.. فقد تذكرت.. ذاك الزمن الجميل.. وتلك الأماسي الملونة بألوان الطيف قوس قزح.. وليالي الفرح الخضراء في الوطن الوسيم.. أتذكر.. أماسي الليالي السياسية.. والكراسي تئن من ثقل المواطنين.. والبرامج تتدفق.. كشلال روىٍ .. لتصب في بحيرة.. قلوب السامعين.. روعة في الخطاب.. جزالة في الأسلوب.. أناقة في العبارة.. رصانة في الخطابة.. رقة في الخصومة.. وبعد كل ذلك.. أناشيد سماوية وتراتيل موسيقية.. وأناشيد.. تحكي وتمجد.. وتعظم الوطن.. ومازلت أذكر.. ذاك العبقري عز الدين.. ملك الريشة.. الأنيقة.. الرفيعة المثقفة.. اللماحة.. وهي توجز موقفاً كاملاً.. وموضوعاً... شاهقاً.. وقراراً مدوياً فقط في رسم كاركتيري.. وفي أوان الانتخابات.. كان عز الدين عثمان.. هو قلب (الأيام) النابض.. كان مهوى أفئدة القراء.. كان أول محطة.. يبدأ بها القاريء.. الصحيفة.. رسم عز الدين.. مرة.. كاركتيراً.. مدهشاً.. معبراً وبليغاً.. وذلك إبان طرد نواب الحزب الشيوعي من البرلمان.. بعد أن انطلقت عاصفة (اليمين) هائجة لتقلع أوتاداً كثيرة من خيمة الديمقراطية... وكان الحزب الشيوعي قد لجأ إلى المحكمة.. طاعناً في طرد النواب من الجمعية التأسيسية.. كان القاضي.. هو ذاك الشجاع الرصين الرفيع الراحل.. صلاح حسن.. الذي أفتى.. بل أصدر أمراً بعدم قانونية قرار طرد النواب.. وهنا قال الصادق المهدي.. وكان رئيساً للوزراء.. تعليقاً على قرار القاضي صلاح حسن.. قال (إن هذا القرار هو إعلان تقريري وغير ملزم لنا).. هنا تفتحت قريحة وعبقرية الفنان عز الدين عثمان.. وهو يرسم كاركتيراً... ناطقاً وساطعاً... يصور بريشته المبدعة.. قاعة محكمة.. والقاضي يصدر حكماً بالسجن على المتهم.. الماثل أمام المحكمة.. هنا يقول المتهم مخاطباً القاضي.. سجن إيه يا سعادة القاضي.. ده إعلان تقريري.. وأنا حارفع استئناف بواسطة سندكالية الجمعية التأسيسية.. ألم أقل لكم إن (انتخاباتكم).. رغم ما بها قد أعادتنا إلى أيام مرشوشة بماء السكر.. وكاركتير آخر.. يرسمه عز الدين.. ومواطن أزعجته جلبة الانتخابات وكثرة المرشحين.. يصوره (عز الدين) .. وهو على سجادة الصلاة.. وهو يرفع كفيه للسماء قائلاً: (يارب يسقطوا كلهم).. وأنا الآن مثل ذاك المواطن.. سائلاً الله لا أن يسقطوا كلهم.. بل مستجدياً الله في ضراعة العدوية.. وخشوع ابن الفارض.. أن يسقط فقط أربعة مرشحين.. ولو سقطوا الأربعة.. أعد الأصدقاء والجيران.. بأني سوف اشتري وأوزع.. (كيس) كامل من حلاوة لبن أبو بقرة الأصلية.. إنه سميع مجيب الدعاء.