السودانيون شعب عاشق للديموقراطية، ليس في ذلك شك، فقد أطاح خلال جيل أو اثنين بنظامين عسكريين شموليين، وأجبر ثالث- هو النظام الحالي- على الأوبة إلى صناديق الاقتراع كطريق لا مناص منه لتثبيت شرعيته ومنافسة معارضيه على التداول السلمي للسلطة. شعب فعل كل ذلك ولم يركن إلى الاستسلام والخنوع كشعوب عديدة أخرى تجاوره، عربياً وأفريقياً، كان يستحق أن تقوم على أمر انتخاباته مفوضية على درجة عالية من الكفاءة والنزاهة، لا تعتورها الشكوك والظنون ولا تضطر للاعتراف غير المجدي بالأخطاء والتجاوزات، وتتحجج ب«القصور البشري» وتعد بإصلاحه بعد فوات الأوان والتعويض ب«الزمن الإضافي» عبر تمديد أيام الاقتراع. الأخطاء والتجاوزات العديدة والمتكررة التي تم رصدها، تشكل في حد ذاتها دليلاً وبرهاناً أكيداً وموثقاً بأن هذه المفوضية- إذا ما أحسنَّا الظن بنزاهة القائمين عليها- تفتقر للكفاءة المطلوبة في مثل هذا العمل الذي أنيط بها، وحتى نزاهتها وحيدتها فهي كانت محل شكوك عظيمة من جانب القوى السياسية المعارضة، ولهم حججهم التي يستندون إليها من واقع تعاملهم المباشر مع شخوص المفوضية ومذكراتهم العديدة التي رفعوها ولم تجد تعاملاً مُنصفاً، كما يقولون، من جانب المفوضية التي يتهمونها - صراحة- بالانحياز لحزب المؤتمر الوطني الذي عبر دائماً عن رضاه بأداء المفوضية، إلاَّ بعد أن وقع الاضطراب والارتباك بعد بدء الاقتراع واضطر بعض مرشحيه للإفصاح عن ضيقهم بمستوى ذلك الأداء. ومع ذلك لا تثريب على أعضاء المفوضية ومسؤوليها المحترمين، ولا أرى أن اللوم في كل ما جرى واشتكى منه الناس في حواضر البلاد وبواديها وأصقاعها يجب أن ينصب عليهم، بل إنني في قرارة نفسي أجد نوعاً من التعاطف معهم بحكم تقدم سنهم وشيخوختهم التي تستحق التوقير. فجُل هؤلاء قد أوقظوا من مخادع راحتهم واستُنهضوا من كراسي معاشاتهم، وأُتي بهم ليُقحموا في عمل يتطلب طاقة جبارة ونشاطاً وحيوية استثنائية واستعداداً وتدريباً متخصصاً. نقول جلهم وليس كلهم، فلا بد أن هناك بينهم من كان يتحين الفرص بغرض الكسب والمنافع التي قد تترتب على المنصب، وربما كان هؤلاء بالذات هم سبب «الأذية» التي حلت بهؤلاء الشيوخ الموقرين. لا تثريب على أعضاء المفوضية ولا مسؤوليها الكبار، لأنهم لم يختاروا أنفسهم أو يتقدموا لشغل هذه الوظائف التي وجدوا أنفسهم فيها بغتة وعلى حين غِرة، بل من يُلام في ذلك هم الذين اختاروهم والذين وافقوا عليهم ابتداءً، وهؤلاء اثنان: الحكومة التي بادرت -على الأغلب- بتحديد قائمة الأسماء، وأحزاب المعارضة التي استشيرت من داخل الهيئات البرلمانية أو من خارجها ووافقت أو لم تمانع، أو لم تكلف نفسها جهداً بالتدقيق في الأسماء والسير الذاتية للأشخاص قبل أن تعطي موافقتها أو تعبر عن عدم ممانعتها، وكان الأجدر بها أن تفعل، حتى لا تأتي احتجاجاتها وملاواتها بعد «وقوع الفاس في الراس». صحف الثلاثاء والأربعاء حملت العديد من المؤشرات والنماذج للاختلالات والارتباكات والأخطاء التي تقترب من درجة الخطايا في عمل المفوضية المتصل بإنجاز الاقتراع، مما يتعذر حصره في مساحة هذه «الإضاءة» حتى لو خُصصت لها صفحة أو صفحتان، ويكفي فقط أن نقف عند بعضها باعتبارها شواهد على «عدم الكفاءة» الذي طبع عمل هذه المفوضية، مع تحسين الظن بأن لا شيء مقصود أو «مدبر بليل» في كل هذا الذي جرى: ü كشف رئيس اللجنة العليا للانتخابات بولاية الخرطوم موسى محجوب عن نقص في صناديق الاقتراع بالولاية يقدر ب«3000» صندوق، مشيراً إلى أن اللجنة تحصلت على صناديق من ولاية الجزيرة عددها حوالي (2000) صندوق، وأوضح أن هناك صناديق أخرى ستأتي من بورتسودان (الصحافة-الأربعاء 14 أبريل). ü اتهم مرشح الحركة الشعبية «التغيير الديموقراطي» لرئاسة حكومة الجنوب لام أكول أجاوين- في مؤتمر صحفي أمس- المفوضية بالقصور عن أداء مهامها والتوسل لحكومة الجنوب، وقال إن حركته رفعت مذكرة للمفوضية بكل الخروقات (الصحافة-الأربعاء 14 أبريل). ًًü في اليوم الأول للاقتراع اعترفت المفوضية، ونشرت جميع الصحف وأجهزة الإعلام بأن هناك أخطاءً وارتباكات شملت وصول بطاقات لدوائر غير دوائرها، وأخطاء في الرموز وسقوط أسماء مرشحين (منهم صحافيون)، وأن هذه الأخطاء والارتباكات شملت (26) مركزاً في الخرطوم وحدها حسب إقرار المفوضية. ü ذكر آدم الطاهر حمدون مرشح المؤتمر الشعبي لولاية الخرطوم، أنه تلقى شكاوي عديدة من وكلاء ترشيحه في دوائر مختلفة بالعاصمة، وقال إن السجل الانتخابي في بعض الدوائر تجاوز عدد الأسماء فيه عدد قاطني الدائرة، وحمَّل المفوضية المسؤولية ودعا لإلغاء عملية الاقتراع وطالب أعضاءها بالاستقالة فوراً (الصحافة-الأربعاء). ü أثار وجود (10) صناديق اقتراع تحملها عربة بدون نمرة أو حراسة وعليها شعار المؤتمر الوطني وصورة مرشحه للولاية جعفر عبد الحكم بسوق الجنينة (بدارفور) أمس الأول، أثارت شكوك عدد من مرشحي غرب دارفور. (أجراس الحرية-الأربعاء 14 أبريل). ü تمكن وكلاء الأحزاب المشاركة في الانتخابات بغرب دارفور، من ضبط «كرتونة» تحوي بطاقات اقتراع لرئاسة الجمهورية والبرلمان والمجلس الولائي، بحوزة موظفة تابعة للجنة الانتخابات دون أن ترافقها حراسة، وجرى توقيف الموظفة قرب مركز «أردمتا» وتم اقتيادها إلى مركز الشرطة، وأبدى مرشح الحزب الاتحادي لمنصب والي غرب دارفور تاج الدين محمد بحر دهشته لتحريك البطاقات بدون حراسة. (أجراس الحرية-الأربعاء 14 أبريل). ü اضطرت لجنة الانتخابات بولاية شمال دارفور إلى إعدام أربعة صناديق اقتراع بالدائرة (19) الفاشر «التأهيل المهني» في أعقاب اكتشاف شرخ بأحد الصناديق، وأُغلق المركز لساعات طويلة بسبب تلك المخالفة. (الأحداث-الثلاثاء 13 أبريل). ü أعلن مستشار رئيس الجمهورية رئيس المنبر الديموقراطي ومرشحه لدائرة توج بولاية واراب بونا ملوال انسحابه من الانتخابات، دامغاً الحركة الشعبية باحتلال الدائرة وتزييف العملية الانتخابية.. واتهم مفوضية الانتخابات بجنوب السودان بالانتماء الكلي للحركة ومفارقة القومية والحياد، وقال إنه أخطر المفوضية القومية بجملة الخروقات (الأحداث-الثلاثاء 13 أبريل). ü قال رئيس اللجنة العليا للمفوضية بالقضارف باستمرار الشكاوي والبلاغات من القوى السياسية التي تركزت في التجاوزات بين رؤساء اللجان واللجان الشعبية، واتهامات بتصويت رؤساء اللجان للناخبين إلى جانب ظهور أسماء ورموز لمرشحين في تذكرة الاقتراع سبق أن انسحبوا في المدة القانونية، بالإضافة إلى تكرار الرمز الانتخابي لعدد من المرشحين. (الاحداث-الثلاثاء 13 أبريل). ü شهد يوم أمس (الاثنين) شكوى من المؤتمر الوطني بالدائرة (18) والدائرة (24) لرئيس اللجنة العليا للانتخابات بالولاية، بأن الاقتراع بدأ متأخراً نظراً لوصول بطاقات الدائرة القومية (17) إلى الدائرة (18)، مما أدى لتوقف الاقتراع من العاشرة والنصف وحتى الخامسة والنصف مساء مما أضاع على الناخبين يوماً انتخابياً كاملاً، بالإضافة إلى منح الناخبين بطاقتي الرئيس والوالي فقط مما أضاع على الناخبين حقهم في البطاقات الست الأخرى. (السوداني-الثلاثاء 13 أبريل). ü ثبت بالتجربة العملية وخلال مؤتمر صحفي أن إزالة حبر الانتخابات من أصابع المقترعين يمكن أن يتم بصورة يسيرة وفورية باستخدام مادة (كلين) المتوافرة في الإجزخانات، أجرى التجربة د. أسعد علي حسن، أمام الحضور على إصبعي كلٍّ من الصحافي ضياء الدين عباس من «الرأي العام» والمرشح الولائي مكي علي بلايل، وسجلت «السوداني» ذلك بالقلم والصورة في صفحتها الأخيرة (الثلاثاء 13 أبريل). وبعدُ، هذا غيض من فيض، وقد تناهى إلى مسامعنا أن المفوضية القومية الحالية جرى تعيينها لمدة ست سنوات قابلة للتجديد، وبما أن «الحصل حصل» ولا ضرورة للبكاء على اللبن المسكوب، فنقول إنه بانقضاء هذه الانتخابات بخيرها وشرها، يجب أن يعمل الجميع لإعادة النظر في تشكيل هذه المفوضية، لأن هذا الشعب العظيم يستحق مفوضية أفضل!!