إلى أن يأذن الله بنهاية مقبولة لمرحلة الاقتراع هناك ما يستحق أن ننشغل به.. بل أن نحتفى أيضا إذا طابت النفوس . فهذه الرغبة العارمة فى(المشاركة) هى طابع هذه الانتخابات برغم كل ما حدث، ومازال بالإمكان تطويعها ليعم فضلها مع مرور الأيام ، فهذه الجولة ليست نهاية مطاف.. ومن شمائل السودانيين أنهم يحبون توسيع المواعين أخذاً بأريحية الشاعر القائل: فلا هطلت عليَّ ولا بأرضي سحائب ليس تنتظم البلادا هناك أمثلة عديدة لهذه الرغبة فى المشاركة عند السودانيين حتى ولو لم يكن فى الأمر انتخابات.. فعندما عرفنا البث الفضائى لأول مرة كان المشاهد يتصل وكأنه غير مصدق بأن هناك من يرد عليه فيتساءل مندهشاً بمجرد وصول صوته(ممكن أشارك؟) فيرد المذيع بكل أريحية (إنت شاركت فعلاً).. والمقصود طبعاً هو أنك مجرد ما اتصلت فأنت مشارك والعالم كله يسمعك.. وقياساً على ذلك أنت سجلت اسمك كناخب.. إذن أنت شاركت فى أهم انتخابات تمرعلى البلاد ، وأخيراً بدأ الناس يطمئنون إلى ذلك وهم يرون الصناديق متمترسة أمامهم رغم أن للشكوك والمحبطات بقية. يبدو سايكلوجياً أن مصدر الفرح والدهشة عند الإنسان هو أن يتحول من منعزل ومهمَّش إلى مشارك عبر صناديق الاقتراع وعبرالصحف والفضاءات والمسافات الطويلة وبواسطة هذه التكنولوجيا التى كرَّست مفاهيم الإنسانية وأهمها المشاركة.. وقد أصبح حق الإنسان فى إبداء رأيه هماً مشتركاً لكل العلوم الإنسانية، ومنها علوم الاتصال والتكنولوجيا والجودة التى طورت فكرة المشاركة للنهاية فجعلتها الأساس( لإسعاد الجمهور) بل (تمكينه) بمعنى اعتباره شريكاً فى الإنتاج ، رأيه محترم ويؤخذ به للفوز فى سباق المنافسة التى هى طابع الحياة اليوم فى كل مناحيها وليس فى السياسة فقط وفى جميع الحالات شرطها الجودة. تجيىء الانتخابات فى عالم اليوم وبشكل جديد مهدت له التكنولوجيا وثورة المعلومات وثقافة الجودة التى جعلت الإنسان طرفاً فى منظومة عالمية أساسها المشاركة بمعايير العصر وليس بموروث الحكم وآلياته القديمة ، فالتغيير لا يساعد القديم ليبقى على حاله وأشواقه وإن اُعترف بأمجاده واُحتفظ له بحق المواكبة.الانتخابات فى السودان قامت وفرح بها الناس بدليل إقبالهم على تسجيل أسمائهم وبنية المشاركة . وبلغ عدد المرشحين (14 ألف) أو يزيدون.. لقد اتضح أن هناك مخاوف شغلت الناس عن الفرح بهاتين المناسبتين وجاءت مرحلة الاقتراع وكأنها نجت بأعجوبة من الظنون الطاحنة فشاع نوع من الارتياح العام كاد يغمر الجميع لولا ما حمل البعض على إعادة النظر فى قرارهم بالمشاركة فى حراك وطنى لم تشهده البلاد من قبل تدعمه البيئة الدولية والمواثيق الإنسانية والفطرة السليمة لأهل السودان العاصمة من الزلل ناهيكم من(الأخطاء الفنية).فى هذه الأثناء يأتى دور المرشحين وقد أصبحوا وجهاً لوجه أمام الصناديق وتتجه إليهم الأنظار كعنوان للمشاركة ونتائجها وضماناتها.. فالانتخابات هى إرهاص لما بعدها من تطورات مرتقبة من وحي حصيلة هذه البرامج التى تبارى المرشحون فى عرضها كمؤشرات لما يمكن أن يكون عليه حال السودان وأهله فى السنوات الفاصلة التى هي على الأبواب. البرامج ملأت الطرقات والصحف والوسائط و«النت». فالتقطت منها ما يلي: تأمين الحريات العامة والحقوق الأساسية ، توفير الخدمات العامة، مجانية العلاج والتعليم والمياه والكهرباء، إقرار مبدأ التنوع الثقافي، الحكم الرشيد، توفير فرص العمل، عدالة التوظيف، الوفاء بحقوق المعاشيين، إصلاح الخدمة المدنية ومحاربة الفساد والصرف البذخي ومراجعة الضرائب، مكافحة الفقر، تحقيق العدالة الاجتماعية ، دعم البحث العلمي، انتهاج سياسة خارجية متوازنة ، الاستفادة من التكنولوجيا،تطوير البنيات الأساسية ، صون وحدة البلاد، المحافظة على المرجعيات، محاسبة المقصرين.وهكذا.هذه الطموحات كلفت المرشحين عصفاً ذهنياً وبذلاً للأموال والتضحيات فشكلت (رأيا عاماً) و(ميثاق عمل) يلامس رغبةً مفعمة فى نفوس غالب أهل السودان مما يجعل الفائز هو هذا «البرنامج الوطني المشترك» وهناك برلمان منتخب سيلاحق المقصرين كما تعهد من تعهد منهم المهم أن رسائل المرشحين وصلت ، والأهم أن تأتي على السودان أيام يكون بإمكانها أن تمر بسلام وأن يعم خيرها.. وماذا يمنع ؟ فلقد صبر الناس على الكثير واختبروا قوة إيمانهم وأصبحوا أكثر مناعةً ودرايةً.