إذا أخذنا أسوأ أزمة اقتصادية منذ 60 عاما وأضفنا إليها تضاؤل نفوذ الغرب والتحذيرات الكارثية بشأن التغييرات المناخية، سنحصل على بعض الأفكار الجديدة الراديكالية. إحدى هذه الأفكار السائدة الآن في أوروبا هي فكرة قديمة جدا، لكن بحلة جديدة. إنها عودة إلى المفهوم القائل إن النمو الاقتصادي محدود بطبيعته ويجب أن يكون كذلك، وما يحده اليوم هو ندرة الموارد والكثافة السكانية وارتفاع منسوب مياه البحار. في بريطانيا، أعدت لجنة حكومية خططا ل«اقتصاد عام ثابت» يستغني عن النمو الاقتصادي في المستقبل لمصلحة الاستدامة الاقتصادية من خلال الحد من عدد ساعات العمل وحظر الإعلانات التلفزيونية (للحد من الاستهلاك). وفي ألمانيا، الكتاب الناجح الجديد بعنوان Exit: Prosperity Without Growth (مخرج: ازدهار من دون نمو) هو أحدث كتاب من بين عدد متزايد من المنشورات التي تحث الألمان على تعلم العيش بموارد أقل وإنفاق أدنى. وفي فرنسا، أبدى الرئيس نيكولا ساركوزي الذي أتى إلى الحكم وهو يحث الفرنسيين على العمل بجهد أكبر وجني المزيد من الأموال دعمه لتقرير أعده خبراء يصف السعي وراء نمو الناتج المحلي الإجمالي بأنه هوس ويدعو إلى الاستعاضة عن إحصاء الناتج المحلي الإجمالي بمقياس أكثر شمولية للرضا الوطني. قلة من الناس يجادلون بأنه يمكن للعالم أن يعود ببساطة إلى النمط الاقتصادي القديم القائم على الإسراف، حيث كان يتم تمويل جزء كبير مما اعتبر نموا بواسطة فقاعات ازدهار غير مستدامة قائمة على الاستدانة وارتفاع أسعار الأصول. الارتفاع الحاد في أسعار الأغذية والنفط عام 2008 ذكرنا بأن الوتيرة الحالية من استنزاف الموارد لا يمكن أن تستمر إلى الأبد. والجدل حول ما إذا كانت إحصاءات الناتج المحلي الإجمالي هي حقا مقياسا فعالا لتقدم البشر هو جدال حكيم، وليس جديدا. فعلماء الاقتصاد هم أول من يعترف بأن الناتج المحلي الإجمالي مجرد دلالة على الازدهار وليس هدفا بحد ذاته. لكن يبدو أن الداعين إلى اعتماد اقتصاد غير قائم على النمو يقترفون الأخطاء نفسها التي اقترفها الكثير من أسلافهم، بدءا من توماس مالتوس الذي توقع عام 1798 أن يؤدي ازدياد عدد السكان في النهاية إلى مجاعة وصولا إلى نادي روما، وهو مجموعة من العلماء الذين حذروا عام 1972 من أن الموارد الأساسية ستبدأ بالنفاد من العالم في ثمانينات القرن ال20. هذه الحركات تقيّم استخدام الموارد وفقا لتوقعات معدلات النمو والتلوث لكنها لا تأخذ بعين الاعتبار بشكل كاف التقدم التكنولوجي والقوانين التي تحمي البيئة وازدياد الفعالية والتغيير السلوكي. لنأخذ مثلا ادعاء ماينهارد مايغل، مؤلف كتاب Exit (مخرج)، بأن الأغذية تنفد من العالم. إنه يتجاهل إلى حد كبير، من بين أمور أخرى، الإمكانات غير المستغلة في مجال الهندسة الجينية وغيرها من التقنيات التي تعنى بتناسل النباتات. غالبا ما يتم التغاضي عن هذه الأخطاء لأن دعاة عدم النمو بات لديهم تأثير كبير في أوروبا اليوم لأسباب فكرية وسياسية وليس لأسباب اقتصادية أو تكنولوجية. لطالما كانت انتقادات النمو تنم أساسا عن عدم ارتياح إزاء الرأسمالية بحد ذاتها. ومن غير المفاجئ أن تلقى هذه الانتقادات شعبية واسعة في وقت يبدو أن الرأسمالية فشلت. ففي النهاية، اكتسب نادي روما شعبيته في سبعينات القرن الماضي، خلال فترة تباطؤ طويلة عندما بدأ الناس يعون مخاطر التدهور البيئي. من غير المفاجئ أيضا أن مركز هذه الحركة الآن هو أوروبا ويقودها رئيس فرنسي. فما من بلد آخر في العالم يشهد الآن نسبة أعلى من عدم الرضا عن اقتصاد الأسواق في استطلاعات الرأي. الأطفال الفرنسيون يتعلمون في كتاب مدرسي واسع الانتشار وغير استثنائي أن «النمو الاقتصادي يفرض نمط حياة محموما يؤدي إلى الإجهاد والتوتر النفسي والاكتئاب والأمراض القلبية والسرطان». وبالنسبة إلى ال2.6 مليار شخص في العالم الذين يحاولون أن يعيشوا بأقل من دولارين في اليوم، قد يبدو من الجنون القول إن النمو الاقتصادي يسبب التوتر. لكن في أوروبا، حتى المحافظون اقتنعوا بفكرة ماركس المنتقدة لربط تقدم المجتمع بنمو الاقتصاد، وهو مفهوم مفاده أن الرأسمالية حولت حياتنا إلى سلسلة من المعاملات المالية. هذه الانتقادات منطقية. لكن دعاة عدم النمو غير واقعيين ولا يدركون كم يمكن لانعدام النمو أن يكون مؤلما. مثلما جادل بنجامين فريدمان، الباحث في جامعة هارفارد، بفصاحة في كتابه The Moral Consequences of Economic Growth العواقب الأخلاقية للنمو الاقتصادي)، فإن المجتمع الذي يتخلى عن النمو سيعاني نزاعات بغيضة حول توزيع الموارد المحدودة ويمهد السبيل للتعصب والشعبوية. ومن الواضح أن النمو الاقتصادي ليس المعيار الأهم، فهو لا يقيس قيمة علاقاتنا ومجتمعاتنا وثقافتنا. وكذلك الأمر فيما يتعلق بالرابط بين الازدهار ونوعية الحياة، بما في ذلك الصحة وطول العمر وحرية السعي إلى السعادة. وحتى لو كان النقاد محقين بأنه سيكون من الصعب تحقيق النمو في حقبة ما بعد الأزمة، فهذا ليس سببا للتخلي عنه بالكامل. على العكس: إنه سبب إضافي لتكريس طاقاتنا من أجل التوصل إلى السياسات الصحيحة بدءا من التعليم والإبداع وصولا إلى حس المبادرة والتنافس التي ستساعد على تعزيزه. نقلاً عن نيوزويك