ظل العديد من العلماء في السودان يمارسون رغماً عنهم أدواراً أخرى غير الفتيا تتمثل في حل مشاكل الناس التي تظهر من خلال فتاواهم، يساهمون عبرها بنصيحة أطراف المشكلة بأسلوب وعظي لا يخلو من لمحات تربوية يفلح أحياناً كثيرة في لم شمل أسر بحالها. ما يفعله بعض العلماء، بطيب خاطر، هو دور يطلق عليه المتخصصون بالمرشد الأسري وهو دور ما زال مفقوداً في المجتمع السوداني بشهادة علماء الدين وعلماء النفس والاجتماع ويقوم به علماء الدين بامتياز أحياناً وبقصور أحياناً أخرى في ظل نظرة سلبية من المجتمع تجاه مراكز الاستشارات النفسية والاجتماعية. * الفتوى.. فاعلية اجتماعية: يؤكد الشيخ محمد أحمد حسن أن أكثر الفتاوى التي تصله عبر الهاتف أو يأتي بها أهلها بأنفسهم تتعلق بمشاكل اجتماعية وبالأخص مشاكل الطلاق وأضاف:« من لا يستطيع الحضور هنا في هيئة علماء السودان يأتي إليّ في بيتي وأغلب مشاكل الناس اجتماعية واقتصادية تتعلق بالطلاق والزواج ومشاكل الأسرة عموماً». رغم مساهمته في حل مشاكل طالبي الفتوى، يرى الشيخ محمد أحمد حسن أن الأفضل أنيعطى الخبز لخبازهمبيناً أن هيئة علماء السودان أنشأت خطوط هاتف ساخنة لمختصين اجتماعيين ونفسيين لاستقبال مشاكل الناس لكنهم دائماً يلجأون لعلماء الدين لثقتهم فيهم. طالب العلوم الشرعية(فيصل بدر الدين) يؤكد أن ارتباطه الوثيق بالعلماء بحكم دراسته جعلته لا يلجأ إلا لأساتذته من علماء الكلية إذا طرأت له مشكلة تستدعي مساعدة الغير، وقال:سبق أن حدثت مشكلة في البيت فلم أستطع أن أستشير لحلها إلا أستاذي في الجامعة الذي أعتبره شيخي في المقام الأول، وفعلاً عملت بنصيحته وحلت المشكلة. * الشيخ والمرشد الأسري..تضارب في العلم والوقت: لا تعتقد تهاني وداعة الأستاذة الجامعية المتخصصة في علم النفس أن الشيخ أو الداعية يمكن أن يكون بديلاً عن المرشد الأسري لأن الإرشاد النفسي والأسري برأيها عمل تخصصي لا يكفي فيه فقط صفات القبول الشخصي والثقة وكتمان الأسرار التي تتوفر غالباً في المشايخ، وتقول:يتعرض العلماء والمشايخ لمشاكل تفوق أحياناًً ًطاقاتهم التي يبذلونها لحل المشاكل لكن دورهم أيضاً مهم لثقة قطاعات كبيرة من الناس بهم وبآرائهم وترى وداعة أن الحل الأمثل الذي ظلت تنادي به كثيراً هو إنشاء مكاتب ومراكز إرشاد أسري على مستوى واسع في الأحياء وهو الأمر المفقود حالياً، إذ لا يوجد إلى الآن مركز إرشاد أسري واحد يتبع للدولة؛ أما إشكالية ممارسة المشايخ لدور المرشد الأسري فالأفضل أن تحل بجرعات نفسية تخصصية يتلقاها المشايخ لكن الأحسن والأسرع هو أن يتفقه المرشد الأسري في الدين لا العكس. وتتفق الاختصاصية الاجتماعية الأستاذة سارة أبّشر مع القائلين بأهمية دور المشايخ في الإرشاد الأسري لكنها تقول: لا يمكن للمشايخ أن يغنوا عن المرشد النفسي لكنهم يمكن أن يقوموا بدور موازي يخدم القضية بطريقة غير مباشرة، لأن عميل الإرشاد الأسري يحتاج لدعم نفسي ومتابعة متواصلة مع معايشة تامة لمشكلة العميل وهذا ما لا يتسنى للشيخ القيام به وقتاً وعلماً ولكن مع ذلك فالإرشاد الأسري والنفسي علم يمكن اكتسابه وسيكون مفيداً للمجتمع لو مارس العلماء هذا الدور واكتسبوا فيه المهارات اللازمة وتؤكد سارة أبّشر أن نظرة المجتمع السوداني السالبة نحو المراكز النفسية والاستشارية بدأت تتراجع، وتدلل على ذلك بعدد الحالات التي زارت مركزهم الاستشاري الذي افتتح قبل ثلاث سنوات في الخرطوم واستقبل مشاكل أزواج ومطلقين وشباب مقبلين على الزواج. *مشاكل خارج ظلال المساجد: يقول مدير قسم الإرشاد الأسري بمعهد دراسات الأسرة بجامعة أمدرمان الإسلامية: «حسب مراقبتنا كمعهد متخصص في الدراسات والاستشارات الأسرية، فإن المشايخ وعلماء الدين بحكم التفاعل مع المصلين في المساجد، وبحكم الثقة في إمام الصلاة وخطيب الجمعة، أو بحكم قيادة طريقة صوفية بعينها فإن بعض هؤلاء المشايخ امتلك ناصية الحكمة والبصيرة، وبحكم الاطلاع الزائد يُسأل في الاستشارات الأسرية، وحسب تجربتي في الخلاوي فإن مشايخها في الغالب يجلسون لأكثر من عشر ساعات يستمعون لمن يثقون فيهم ويقدمون لهم الإرشاد الأسري والروحي ولكن الفراغ الذي تركه غياب المتخصصين في حل مشاكل الناس عبر الإرشاد الأسري وتدريب الناس على فن حل المشكلات، بل وطريقة التفكير الصحيحة ليعيش الناس سعداء، هذا الغياب يكمل بعضه المشايخ والعلماء في إطار الدعوة، وهذا أمر طيب ولكنها شريحة أقل من 50% من الناس، وبمزيد من التدريب على الاستشارات النفسية الاجتماعية بصورة علمية وانعقاد الدورات تكون فاعلية هؤلاء العلماء مضاعفة ودورهم مطلوب بلا شك رغم هذه النظرة الإيجابية لدور المشايخ في الإرشاد الأسري إلا أن مدير قسم الإرشاد الأسري يستدرك:« دور المرشد الأسري النفسي والاجتماعي في السودان يظل مكانه شاغراً، لأن الفئات التي تتعامل مع العلماء والشيوخ لدورهم المكمل لدور المرشدين الأسريين والاخصائي النفسي والاخصائي الإجتماعي هي فئات محدودة جداً، أما الذين تعبوا في الحياة والمحبطين من صراعها وأغلب الذين فقدوا الأمل وابتعدوا عن المساجد وانشغلوا بالدنيا، فأولئك ينتظرون أن يقتحم عليهم الإرشاد الأسري أبوابهم وخلواتهم وفراغهم لينهضوا ويبدأوا من جديد.