الخبطة خبطة، سواء أكانت صحفية أم غيرها ! لا تسألوني عن (غيرها)، فلا أحد في السودان يجهل الخبطة، خصوصا تلك التي تقع على الرأس ! شخصيا، تعرضت للكثير من الخبطات، لكنها، ولله الحمد، لم تجعلني في خبر كان ! وأظن أن ما من أحد إلا وتعرض لخبطة بشكل أو بآخر. والصحفيون لا يتعاملون مع (الخبطة) إلا من دلالتها الصحفية، وهي تعني المادة المثيرة غير المسبوقة والتي تلفت الأنظار وترفع مبيعات الصحيفة. لكن بقية الناس يحتفظون بمرونة في الفهم، بحيث يتابعون السياق، فإذا وردت الكلمة في إطار مشاجرة أو شغب أو خلاف، فإنها لا محالة من النوع الذي يقع على الرأس فيصيبه بالدوار، أما إذا وردت في إطار مادة منشورة أو حديث إعلامي، فالأمر سيكون مفهوما بشكل آخر . ومن العجيب أن السودانيين، ومعهم أبناء النيل من المصريين، متفاهمون حول كلمة الخبطة، وبالمعنيين المشار إليهما، وطبعا كل بني يعرب يقولون (الضربة)، وهي تعني الخبطة، وفي هذا الفهم يتساوى الجميع مشرقا ومغربا. أما ما تنفرد به العبقرية السودانية، فهي لفظة رديفة للخبطة، لكنها تملك مدلولا دقيقا، يتفوق على الخبطة بمعناها العام. هل تعرفون هذه اللفظة ؟! إنها (أم دلدوم) !! نعم والله، هي (أم دلدوم) . وهي الكلمة التي تحمل توصيفا صوتيا لوقعها، لن تضطر للبحث في القواميس لسبرها، ف (الدلدوم) كلمة تعطي صوتا شبيها بما يسميه أهل الموسيقى ب (الدوم)، وهي الضرية الثقيلة على الآلة الإيقاعية. ولا أعرف من العرب من يستعمل هذه الكلمة المعبرة غير السودانيين، وهي تتميز بالتخصص، والمعني المحدد الدقيق. فالخبطة يمكن أن تقع على الرأس أو الكتف أو البطن أو القدم، فتكون مجهولة الموقع إلى أن يتم تحديد موقعها، وهي في ذلك كشأن (الضربة) في معناها الشمولي، أما (أم دلدوم) فهي محددة بشكل عبقري، ولا تلتبس أبدا على الأذهان، لأنها باختصار لا تقع في رأس أو بطن أو طرف من الأطراف، بل تقع، وبتحديد دقيق، على الظهر وليس غيره ! حتى أداة (أم دلدوم) محددة بدقة عند السودانيين ، فالضربة والخبطة وغيرها يمكن أن تكون باليد، أو بالعصا، أو بأي أداة أخرى، أما أم دلدوم، حماكم الله ، فهي تنزل على الظهر باليد الملمومة، أي بقبضة اليد، ويكون ارتطامها بالظهر ليس على شكل لكمة، بل على شكل شاكوش ساقط، فيكون لها دوي الطبل الذي لا تخطئه أذن ! قاموسنا الدارجي دقيق، وفنان، مثلما هو قاموسنا الفصيح، لنكون، بهذا المزيج، الأميز، فصاحة، ودارجية، ورطانة ! }}