كل زعيم أمة هو في الوقت نفسه رئيس دولتها وليس العكس صحيحاً، فكل رئيس دولة ليس بالضرورة زعيم الأمة، ذلك بأن رئيس الدولة إنما يكون على رأس إدارتها، أما زعيم الأمة فهو الذي يفجِّر طاقاتها ويحشد قواها ويوجهها نحو غايات عليا تتطلع إليها وتعمل لها.. فهو يقود حركة التغيير التي تحدثها، وفي الوقت نفسه يقود دفة الحكم فيوظفها للتغيير الشامل الكامل. والبشير هو بكل المقاييس رئيس الدولة وزعيم الأمة.. وهذه شهادة لا انفرد بكتابتها، فإحداثيات ما قبل الانتخابات، ربما بأمد بعيد، تعطيها ولاتعطي غيرها، ولكنها ظهرت بجلاء من التأييد الشعبي شبه المطلق له في هذه الانتخابات.. والزعماء إنما يعرفون في محكات الأحداث ومنعطفات التاريخ. فالتمسك بزعامة البشير ظهر شعبياً في الرفض التلقائي للجنائية سيئة السمعة، والذي لم تعبئه جماعة أوتحشده فئة. وقد يقال إن التمسك بالبشير في رفض الجنائية كان تمكساً برمز السيادة الذي يمثله وليس تمسكاً بقيادته، وهي مغالطة مكشوفة لا يسندها الواقع ولا مجريات الأحداث، فلو كان البشير يفرض قيادته على شعبه لوجدها شعبه فرصة سانحة للتخلص منه، ولم يرفض الجنائية هذا الرفض الكاسح العارم. ثم كان المحك الثاني في الانتخابات، وموقف أحزاب المعارضة من ترشحه، فهي تعمل بكل سبيل لإسقاطه وإسقاط نظامه، حتى قبل الانتخابات، فلم تصادف مسيراتها المصنوعة سوى العزل الشعبي، بل والاستنكار الواسع.. فلما صارت الانتخابات أمراً واقعاً ذهبت ترسم الخطط «الانتخابية» لمواجهته، تارة بتشتيت الأصوات وتارة أخرى بتجميعها. ثم لما دللت الحملة الانتخابية بما لا يدع مجالاً للشك بأن البشير وحزبه سيكتسحها تفادت هذه الأحزاب هزيمتها المحققة بالانسحابات غير المبررة من سباقها، بعد أن قطعت شوطاً كبيراً من حملتها الانتخابية وذلك حتى تبدأ في بناء الاتهام المبيَّت بتزويرها قبل إكمال إجرائها مما مهد الطريق لرفضها النتائج الأخيرة، في مغالطة، هذه المرة، للرقابة المحلية والإقليمية والدولية!! ما قيمة أن أعيد وأكرر التحليل لهذه الانتخابات، ونحن نتهيأ لميلاد السلطة الجديدة؟!.. القيمة التي أريد أن تقر في الأذهان هي أن الانتخابات كانت صكاً رسمياً بميلاد زعيم، وليس برئيس فحسب.. ومما يدل على ذلك أن البشير نادى في حملته الإنتخابية بحكومة ذات قاعدة عريضة، حتى قبيل الاقتراع بنتائجه المحسومة التي لاحت في الأفق، سواء من الحملة الانتخابية نفسها، أو باستطلاعات الرأي الداخلية والخارجية، وهو منحى قومي يدل على مقومات الزعامة القومية وهي تواجه تحديات قومية.. أكثر من ذلك، فإنه قد صرح بأنه لم يهزم أحزاب المعارضة بأكثر من أنه هزم المخططات الخارجية التي توقعت حدوث إخلال أمني عام في أعقاب إعلان النتائج، وهي حالة الفوضى التي تبرر التدخل الخارجي، بيد أن هذه القوى الخارجية، بل والداخلية، لم تدرك حقيقة أبعد من توقعاتها، وهي أن هناك زعامة شرعية تولد لقيادة البلاد.. الزعامة التي يلتف حولها الشعب هي التي أحبطت المخطط. فالشعب غير الشعب والأجيال غير الأجيال، هذه حقيقة بدأت المعارضة في تقبلها، ولكن ببطء شديد.. ثم ما قيمة أن يكون الشعب قد أثبت انتخابياً ميلاد هذه الزعامة، في هذه الظروف المحيطة؟؟ قيمتها أن تغير القوى السياسية، وعلى رأسها المعارضة، باتجاهها إلى منحى قومي، كما هي الزعامة القومية التي ولدت في هذه الظروف المفصلية.. فهذه الزعامة هي صمام الأمن والأمان، والضامن للاستقرار السياسي الذي هو أولوية قصوى لمواجهة التحديات الكبرى. وللقارئ أن يتصور المشهد السياسي في غياب هذه الزعامة.. هذا علاوة على عبقرية البرنامج السياسي لهذه الزعامة، وهو «معاً لاستكمال النهضة» و«معاً» تقتضي حكومة ذات قاعدة عريضة!!