النهود…شنب نمر    إسحق أحمد فضل الله يكتب: (ألف ليلة و....)    "المركز الثالث".. دي بروين ينجو بمانشستر سيتي من كمين وولفرهامبتون    منتخب الضعين شمال يودع بطولة الصداقة للمحليات    ندوة الشيوعي    الإعيسر: قادة المليشيا المتمردة ومنتسبوها والدول التي دعمتها سينالون أشد العقاب    "قطعة أرض بمدينة دنقلا ومبلغ مالي".. تكريم النابغة إسراء أحمد حيدر الأولى في الشهادة السودانية    د. عبد اللطيف البوني يكتب: لا هذا ولا ذاك    الرئاسة السورية: القصف الإسرائيلي قرب القصر الرئاسي تصعيد خطير    سقطت مدينة النهود .. استباحتها مليشيات وعصابات التمرد    الهلال يواجه اسنيم في لقاء مؤجل    عثمان ميرغني يكتب: هل رئيس الوزراء "كوز"؟    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء الشاشة نورهان نجيب تحتفل بزفافها على أنغام الفنان عثمان بشة وتدخل في وصلة رقص مؤثرة مع والدها    كم تبلغ ثروة لامين جمال؟    حين يُجيد العازف التطبيل... ينكسر اللحن    أبوعركي البخيت الفَنان الذي يَحتفظ بشبابه في (حنجرته)    شاهد بالفيديو.. في مشهد نال إعجاب الجمهور والمتابعون.. شباب سعوديون يقفون لحظة رفع العلم السوداني بإحدى الفعاليات    شاهد بالصور والفيديو.. بوصلة رقص مثيرة.. الفنانة هدى عربي تشعل حفل غنائي بالدوحة    من رئاسة المحلية.. الناطق الرسمي باسم قوات الدعم السريع يعلن تحرير النهود (فيديو)    تتسلل إلى الكبد.. "الملاريا الحبشية" ترعب السودانيين    إعلان نتيجة الشهادة السودانية الدفعة المؤجلة 2023 بنسبة نجاح عامة 69%    والد لامين يامال: لم تشاهدوا 10% من قدراته    الحسم يتأجل.. 6 أهداف ترسم قمة مجنونة بين برشلونة وإنتر    استئناف العمل بمحطة مياه سوبا وتحسين إمدادات المياه في الخرطوم    هيئة مياه الخرطوم تعلن عن خطوة مهمة    باكستان تعلن إسقاط مسيَّرة هنديَّة خلال ليلة خامسة من المناوشات    جديد الإيجارات في مصر.. خبراء يكشفون مصير المستأجرين    إيقاف مدافع ريال مدريد روديغر 6 مباريات    تجدد شكاوى المواطنين من سحب مبالغ مالية من تطبيق (بنكك)    ما حكم الدعاء بعد القراءة وقبل الركوع في الصلاة؟    عركي وفرفور وطه سليمان.. فنانون سودانيون أمام محكمة السوشيال ميديا    تعاون بين الجزيرة والفاو لإصلاح القطاع الزراعي وإعادة الإعمار    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    الكشف عن بشريات بشأن التيار الكهربائي للولاية للشمالية    ترامب: يجب السماح للسفن الأمريكية بالمرور مجاناً عبر قناتي السويس وبنما    كهرباء السودان توضح بشأن قطوعات التيار في ولايتين    تبادل جديد لإطلاق النار بين الهند وباكستان    علي طريقة محمد رمضان طه سليمان يثير الجدل في اغنيته الجديده "سوداني كياني"    دراسة: البروتين النباتي سر الحياة الطويلة    خبير الزلازل الهولندي يعلّق على زلزال تركيا    في حضرة الجراح: إستعادة التوازن الممكن    التحقيقات تكشف تفاصيل صادمة في قضية الإعلامية سارة خليفة    الجيش يشن غارات جوية على «بارا» وسقوط عشرات الضحايا    حملة لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة في مدينة بورتسودان    وزير المالية يرأس وفد السودان المشارك في إجتماعات الربيع بواشنطن    شندي تحتاج لعمل كبير… بطلوا ثرثرة فوق النيل!!!!!    ارتفاع التضخم في السودان    انتشار مرض "الغدة الدرقية" في دارفور يثير المخاوف    مستشفى الكدرو بالخرطوم بحري يستعد لاستقبال المرضى قريبًا    "مثلث الموت".. عادة يومية بريئة قد تنتهي بك في المستشفى    وفاة اللاعب أرون بوبيندزا في حادثة مأساوية    5 وفيات و19 مصابا في حريق "برج النهدة" بالشارقة    عضو وفد الحكومة السودانية يكشف ل "المحقق" ما دار في الكواليس: بيان محكمة العدل الدولية لم يصدر    ضبط عربة بوكس مستوبيشي بالحاج يوسف وعدد 3 مركبات ZY مسروقة وتوقف متهمين    الدفاع المدني ولاية الجزيرة يسيطر علي حريق باحدي المخازن الملحقة بنادي الاتحاد والمباني المجاورة    حسين خوجلي يكتب: نتنياهو وترامب يفعلان هذا اتعرفون لماذا؟    من حكمته تعالي أن جعل اختلاف ألسنتهم وألوانهم آيةً من آياته الباهرة    بعد سؤال الفنان حمزة العليلي .. الإفتاء: المسافر من السعودية إلى مصر غدا لا يجب عليه الصيام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محاولات لشرح المشهد السياسي المربك
نشر في الصحافة يوم 04 - 04 - 2010

دخلت البلاد في حالة إرتباك سياسي معقد، دفعت عددا من المراقبين داخليا وخارجيا لإبداء قلقهم على مصير الانتخابات المقررة في 11 من هذا الشهر، وتداعيات اجرائها أو تأجيلها، وذلك بعد إعلان عدد من الأحزاب انسحابها من المشاركة في كافة المستويات، كما ان هناك مرشحين قرروا مقاطعة انتخابات الرئاسة، وبعض الاحزاب مايزال موقفها غير محسوم، واخرى ستشارك رغم تحفظاتها، مما دفع المراقبين الى رسم العديد من السيناريوهات، لكنها جميعها تتشابك في مرحلة ما، الأمر الذي يثير الكثير من الأسئلة بينما تغيب العديد من الإجابات.
حتى الآن لا يستطيع المراقبون التكهن بمآلات المستقبل بصورة دقيقة، فالمشهد السياسي يخلو من المعلومات الصحيحة والمؤكدة، وأقصى ما يستطيع المحللون أن يصلوا اليه يبدو متباينا في معطياته أو نتائجه، فهناك من يعتقد أن الانتخابات لن تجرى في موعدها، وستؤجل الى فترة لا تتجاوز الشهر بهدف إجراء مراجعات تتعلق بمطالب قوى المعارضة، وهو الإتجاه الذي كان يمثله حزب الأمة القومي بزعامة الامام الصادق المهدي، الذي حدد ثماني اشتراطات لخوض العملية الانتخابية، لكنه زاد المشهد السياسي ارباكا وأعلن امس بصورة مفاجئة المشاركة في كافة المستويات ، وربما تراجع الحزب الاتحادي الأصل من سحب (مرشحه ) حاتم السر .
في المقابل فإن تيار إجراء الانتخابات في موعدها، يقوده حزب المؤتمر الوطني وتشاركه موضوعيا احزاب المؤتمر الشعبي والتحالف والمؤتمر السوداني ومفوضية الانتخابات والولايات المتحدة الامريكية وعدد من الدول الاوربية المؤثرة، التي اعربت» الجمعة» عن أملها في ان تتمكن جميع الاطراف السودانية المعنية من تجاوز خلافاتها والتوصل الى امكانية اجراء هذه الانتخابات، ورغم أنها اعتبرت اعتراضات احزاب المعارضة بأنها «مخاوف مشروعة»، لكنها ليست ساعة الانسحاب من الساحة السياسية والحوار والمفاوضات، بل على العكس فهي ساعة الالتزام وتحمل المسؤولية بالنسبة لجميع الاطراف الموجودة للعمل على ان تكون هذه الانتخابات نجاحا للبلاد والديمقراطية.
وهنالك تيار قرر الانسحاب نهائيا من العملية الانتخابية، ويقوده الحزب الشيوعي (انسحاب في كافة المستويات)، وحزب الامة (مبارك الفاضل)، بينما قررت أحزاب أخرى الانسحاب الجزئي بسحب مرشحيها لرئاسة الجمهورية، كالحركة الشعبية (ياسر عرمان)، الحزب الاتحادي الاصل (حاتم السر)، كما يذكر أن هنالك حزب البعث الذي قاطع العملية قبل بدايتها، ونادى ضمن أحزاب معارضة اخرى بالتأجيل على أمل قيام حكومة قومية.
والمفارقة أن قرار أحزاب المعارضة الرئيسة بالانسحاب غير قانوني، إذ اكتشف موقع «السودان يصوّت» على الانترنت أن النظام الداخلي الذي وضع بموجب قانون الانتخابات القومية السوداني لعام 2008، ينص على أنه لا يحق لأي مرشح أن ينسحب في غضون 40 يوما من موعد الانتخابات. وعلى الرغم من وجود العديد من المخالفات الانتخابية التي كانت واضحة لمراسلي «السودان يصوّت» أثناء قيامهم بنقل أحداث الانتخابات، فإن الانطباع العام الميداني للصحفيين في جميع أرجاء السودان هو أن الناس يرغبون كثيراً في المشاركة السياسية وأنهم يستحقون الحصول على سيادة القانون في هذا الوقت من الأزمة.
كما أن هناك تناقضا بين الحجة القائلة بأن مقاطعة الانتخابات الرئاسية جرت بسبب ظروف غير عادلة، و استمرار الحركة الشعبية والحزب الاتحادي الديموقراطي «الاصل» بالمشاركة في الانتخابات البرلمانية. والشيء نفسه ينطبق على قرار حزب الأمة القومي الذي ما يزال يفكر بالمشاركة في الانتخابات البرلمانية، مما دعا محرري الموقع الالكتروني المعني بالانتخابات في السودان أن يرى أن المقاطعة الجزئية غير شرعية وليست منسجمة مع الحجج المذكورة.
كل ذلك، دفع» الصحافة» الى استطلاع آراء الخبراء والمختصين في الشأن السياسي للتعرف على وجهات نظرهم بخصوص ما يجري في البلاد، وحرصت على أن تبدأ معهم منذ انطلاق الحملات الانتخابية للكشف عن أهم ملامح البرامج السياسية التي طرحتها الأحزاب، والتغييرات التي طرأت عليها، وعلاقتها بالوضع السياسي الراهن، وحول اهمية الاتفاق على رؤية قومية وطنية بين الاحزاب لانجاح الانتخابات، واصرار المفوضية المعنية بالانتخابات على تجاهل مطالب المعارضة، اضافة لتوقعاتهم لمصير العملية نفسها، ونتيجتها وتداعياتها، خاصة مع إرتفاع الاصوات التي تحذر من حدوث العنف الإنتخابي.
وفي هذا الخصوص وغيره من الموضوعات التي تحتاج للتوضيح والتحليل، أجرت «الصحافة» مقابلتين منفصلتين مع البروفسير حسن مكي مدير جامعة افريقيا العالمية، والخبير في الشؤون السياسية، والخبير في ذات المجال الدكتور حيدر ابراهيم علي، مدير مركز الدراسات السودانية:
وإلى نص المقابلتين:
مدير جامعة أفريقيا العالمية البروفسير حسن مكي:
التأجيل صعب .. والنتيجة مقبولة لأنها ستفرز قوىً عديدة
{ ما الذي يلفت انتباهك في البرنامج السياسي العام؟
- للأسف الشديد، الخطاب السياسي به إفلاس شديد، بإستثناء بعض الأصوات، لكن قادة الأحزاب الكبيرة يحمل خطابهم السياسي إفلاساً شديداً وبثاً لثقافة الكراهية وتحريضاً.. بعض الحديث يدفع الشخص إلى أن يغلق أذنيه حتى لا يسمعه!!
{ المعارضة تطرح برنامج تغيير شامل عنوانه «إسقاط المؤتمر الوطني»؟
- هزيمة المؤتمر الوطني تصلح كشعار فقط، وليس كافٍ، لأن إزاحة أي نظام فقط ليس هو المطلب، فسياد بري كان حاكماً ظالماً وباطشاً تمت ازاحته في الصومال، ولكن ماهي نتيجة إزاحة سياد بري من دون بدائل؟ هي الحرب الصومالية المشتعلة حتى الآن.
{ يلاحظ تراجع القضايا الإسلامية في البرنامج الإنتخابي للمؤتمر الوطني؟
- هي تحققت ولم تتراجع، فالشريعة طبقت بالفعل، فالنظام التعليمي يضم الآن كلياتٍ عديدة للشريعة الإسلامية والقانون، وتخرج أجيالاً عديدة، والثقافة القانونية تغيرت، واصول الاحكام القضائية ترجع للشريعة الاسلامية، لكن هنالك اشكالات كبيرة تتعلق بالنظام المصرفي والاقتصادي، الا أن العقل السياسي الانتخابي لا ينتبه لهذه القضايا ولا يفقه فيها، هنالك مفارقات كبيرة في الخطاب السياسي، بسبب الجهل والأمية، فالثقافة السياسية بالبلاد عشوائية، الآن إذا ابتعدت عن قشور الأحزاب كلها ستجد أن الصراع الحقيقي هو صراع بين كيانات قبلية وجهوية وعنصرية، وليس بين قوى سياسية، ومن ذلك يمكن أن أقدر أن الخطاب السياسي في هذه الانتخابات يقسم بنسبة 20% الى كاريزما الشخص المرشح، و20% لوزنه القبلي و20% لإمكانياته المادية، و15% تذهب الى من يسانده من الاحزاب.
{ برأيك ألا تعتقد تجربة «الإنقاذ» أضرت بمشروع الدولة الإسلامية؟
- الرؤية النقدية مهمة جدا لأي مشروع، لكني أستغرب أن الاحزاب لم تستطع أن تستثمر القوى الاحتجاجية الكبيرة في المجتمع السوداني لإحداث التغيير، فالعطالة من الخريجين بأعداد كبيرة والريف يواجه مشكلة كبيرة في الزراعة..لكن الأحزاب قديمة ومتهالكة وتشهد توتراتٍ كبيرة داخلها، ويؤكد ذلك أن خياراتها ضعيفة في تسمية مرشحيها لمستوى رئاسة الجمهورية.
{ هل تتوقع تأجيل الانتخابات؟
- من الصعب التأجيل، لأن الشعب كله بات في حالة ذهنية ونفسية في اتجاه الانتخابات، فقد حصلت تعبئة كبيرة وصرفت أموال كثيرة، إضافة الى أن العالم كله ينظر الى قيام الانتخابات في موعدها، وهي ايضا تنفيذ لتعهدات سياسية في اتفاقية السلام شهدت عليها كافة دول العالم، وبالتالي فإن الإنتخابات أهم مشروع سياسي في السودان، وطلبات التأجيل وصلت متأخرة جدا، وأتصور أنه من الصعب حصول ردة عن الإنتخابات.
{ رغم أن الأحزاب ما تزال مصرة على مسألة «التأجيل»؟
- لا أدري لماذا الأحزاب يائسة من الانتخابات، فبعض مايرشح الآن من معلومات، يكشف أن الأحزاب ستفوز في مناطق مختلفة، وسيكون لديها مشاركة مقدرة، قد ترى بعض الأحزاب ان الانتخابات لن تحقق وزنها الذي تستحقه.
{ لكن بعضها قرر الانسحاب والبعض الآخر أعلن المقاطعة الجزئية؟
- من الواضح أن القوى السياسية لا تثق في بعضها البعض، والدليل على ذلك أن حزب الأمة رغم توحد مكوناته الا أنه لم يسفر عن انسحاب الصادق المهدي لمبارك الفاضل أو العكس( أجريت المقابلة قبل انسحاب مبارك الفاضل)، كذلك فإن المؤتمر الشعبي يدعو الى استراتيجية «تشتيت الأصوات» ولكن رجله الأول لم يرشح في الدوائر الإنتخابية، ورأى ترشيحه في القائمة النسبية، وبذكائه رأى أنه من الافضل أن يتجه نحو البرلمان ليصبح زعيماً للمعارضة، ويترك كافة الزعامات الأخرى الى منافسة عمر البشير، وهي منافسة خاسرة، وكل ذلك يوسع من دائرة الشقاق بين أحزاب المعارضة، فالسياسة لكل حزب أجندته.
لا يمكن أن أتصور أن ينسحب حزب مثل الاتحادي الديموقراطي، لان لديه وضع مميز في بعض من الدوائر .. لكن ربما أن الصادق المهدي لم يتمكن من اعداد العدة الكافية لخوض الإنتخابات وبالتالي يعتقد إنه لن يحقق الوزن الذي يستحقه.
{ ألا ترى أن مبررات المعارضة تستدعي التأجيل؟
- حتى لو كانت ترقى لذلك فالوقت قد مضى، فالقطار عندما يتحرك من الصعب إعادته الى المحطة الاولى، وفي العالم الثالث لا يمكن أن تخلو إنتخابات من نواقص ومكدرات، ولكن حسب التقارير الوافدة والراشحة فإن الانتخابات ستكون ذات مصداقية حتى وإن لم ترقَ الى مستوى الانتخابات في اوربا وامريكا، بمعنى أن التقارير تكشف أن هنالك تحولاً كبيراً، ولا مجال هنا للحديث عن تسجيل او عدم تسجيل، فعدد المسجلين أكثر من 16 مليون.. مثلا، إذا صوت 10 مليون فقط وحصل مرشح الرئاسة على 5 مليون+ 1، يعني ذلك أن 12% من السكان يؤيدون المرشح، فذلك يؤشر الى تحول كبير.
في الحقيقة أنا استغرب إذا فاز البشير، أين ذهبت الاصوات الاحتجاجية؟!! رغم أن البلاد تنضح بإضرابات الاطباء وإنتقادات الصحف وحملات المرشحين للرئاسة.
إذا فاز البشير، هذه رسالة قوية بأن هنالك تحولاً كبيراً في السودان (ديموغرافي وسكاني وعقلي وروحي) ، مهما حاولت أن تقلل من قيمة هذا الفوز.
{ إذن لا تتوقع أن يخسر البشير أمام أحد المرشحين للمنصب؟
- نعم..... سيظل البشير على مستوى الرئاسة، ولكن بصلاحيات منقوصة، بمعنى انه لن يكون القائد العام للقوات المسلحة، وانما القائد الأعلى فقط، وليس الذي يعين الولاة، هنالك ولاة سيكونون خارجين عن طاعته، وهنالك برلمان شبه متمرد وسيواجه فيه بصعوبات كبيرة، لكن مما سيساعده أنه سيكون متناغما مع أجهزة الدولة ولن يكون مثل سوار الدهب الذي حل جهاز الأمن مما سهل إنقلاب البشير في عام 1989م.
الغرب سيصمت خلال الفترة المقبلة، وسيساعد ذلك عمر البشير، لأن الأولوية للغرب ليست الانتخابات أو ترتيب البيت السوداني وإنما إجراء الإستفتاء في موعده وتحقيق الانفصال، وبعد ذلك سيسفر الغرب عن وجهه الحقيقي في مواجهة البشير ودولة شمال السودان.
{ في ظل إرهاصات الإنسحاب والدعوة للتأجيل والتشكيك في نزاهة العملية، هل ستحقق الانتخابات شرعية لمن يفوز بها؟
- دائما الخاسر سيلقي اللوم على الآخرين، والخاسر دائما يلوح بقميص عثمان، والخاسر دائما يتعلل بأسباب غير موضوعية، وفي تقديري أن نتيجة الانتخابات ستكون مقبولة لأن هنالك رقابة دولية، ولأن العالم بدأ يفيق وخفتت العداوة الشديدة للسودان، وأعتقد ان النتيجة ستكون مقبولة في وسط البلاد وفي الشريط النيلي وكردفان وغيرها من المناطق، لأنها ستفرز قوى مختلفة، ولن يكون هنالك منتصر بشكل كبير، فالمؤتمر الوطني في طريقه لأن يصبح قائداً وليس حزباً مهيمناً، وحتى القوى التي لديها إنتقادات ليس لديها مليشيات الآن لاحداث اضطرابات أو احتجاجات عنيفة، لانها فشلت في الآلية العسكرية، والحركة الشعبية مشغولة بترتيبات الجنوب، بل قد تفاجأ في الانتخابات بالجنوب، لذلك كل طاقاتها ومخزونها سيكون مهتماً بتأمين الانتخابات في الجنوب.
مدير مركز الدراسات السودانية الدكتور حيدر إبراهيم علي:
انتخابات بدون إجماع وطني ستؤدي للعنف !!
{ هل لاحظت تطورا في البرامج السياسية للأحزاب خلال الحملات الانتخابية؟
-لم تدخل أشياء جديدة .. ومنذ البداية «المناطحة» هي الشكل العام الذي يميز الحملات الانتخابية، ولم يظهر أي اتفاق قومي على الحد الأدنى في قضايا محددة.. أي لا توجد رؤية قومية متفق حولها..هل وجود 12 مرشحاً لرئاسة الجمهورية يعني أن هنالك 12 آيديولوجيا؟!
أنا دائما أقول إن السودان بلد انشطار وانقسامي وتشرزمي.. هذا وضع خطير جدا يهدد قضية الوحدة الوطنية.
{ لكن الأحزاب لها اتفاق على برنامج واحد هو «هزيمة المؤتمر الوطني»؟
- إذا هُزم المؤتمر الوطني في الانتخابات فإن البديل لن يستطيع أن يحكم.. لأن المؤتمر الوطني - طيلة السنوات السابقة- كان يحكم بشعار التمكين، وذلك ما أظهرته مشاركة الحركة الشعبية، وذلك وفي حال سقط المؤتمر الوطني في الإنتخابات، سيكون حزباً في المعارضة شكليا وهو الحاكم فعليا، لذلك فإن البديل لن يستطيع السيطرة، الا إذا قامت عمليات تطهير وطرد وهذه مسألة صعبة جدا وتتسبب في مشكلة كبيرة، ومكلفة سياسيا واجتماعيا لأن «الإنقاذ» كونت طبقة «منافع» جديدة تضم كافة الشرائح في المجتمع ( أقباط، لا دينيين، إسلاميين .. إلخ) حتى «السكارى» ضمن هذه الطبقة.
{ البعض يرى تراجع قضية علاقة الدين بالدولة في البرامج السياسية؟
- ربما لأن الذين كانوا يرفعون شعار تطبيق الشريعة الإسلامية، هم الآن من ينظرون الى هذه التجربة بإعتبارها ليست البرنامج المناسب لطرحه على الناخبين بعد أن جربت، لكنهم أيضا لا يعترفون بأنهم أخطأوا، وبالتالي فإن جماعة «الإنقاذ» يتحدثون الآن عن تحقيق إنجازات وكذا.
كذلك الاحزاب لم يظهر في خطابها السياسي حديث عن الدولة الاسلامية، فتجربة العشرين سنة الماضية أحدثت تغييرات عديدة ايجابية وسلبية، وواحدة من هذه التغييرات أن البعض بدأ يتشكك في امكانية تحقيق حكم اسلامي أو دولة اسلامية، وفي مثل هذه الحالة يمكن أن تحصل «علمنة» لا شعورية.. في الماضي لم تكُ يظهر تدخل في الصراع السياسي فتاوي «دينية».. لكن ذلك حدث لأن الحكومة بدأت تشعر بأن آيديولوجيتها اهتزت وتحتاج لسند خارجي، وهذا تغيير حصل بسبب عجز الحركة الاسلامية في تقديم نموذج جيد لدولة إسلامية.
هنالك نقطة تحول ايضا في البرامج السياسية، فوثيقة أسمرا الصادرة عن مؤتمر القضايا المصيرية، ظهر بشكل او بآخر في كل برامج الاحزاب السياسية، اضافة الى التحولات الخارجية فيما يسمى ب»الاسلام فوبيا» وظهر ما يسمى ب»الوسطية»، وكلها عوامل تجعل برامج الأحزاب السياسية في الحملات الانتخابية الحالية مختلفة مع برامجها عام 1985م.
{ ألا تعتقد أن الانتخابات الحالية تحول جديد في المشهد السياسي العام للبلاد؟
- الشرط الرئيسي لاجراء الانتخابات هو قبول كافة الاطراف، أما الحديث الدائر الآن لا يعدو أن يكون مطاحنات وملاسنات .. والسؤال الذي اوجهه سواء للحكومة او المعارضة، هل سيقبلون بنتيجة الانتخابات اذا اجريت في ظل هذه الاحوال؟! كذلك فإن المفوضية القومية للانتخابات تواجه بتحدي كيفية الوصول الى انتخابات مرضي عنها من كافة الأطراف، ويشارك فيها أكبر عدد من الناخبين.
{ وما هو الدور المطلوب من المفوضية؟
- لم تكُ المفوضية القومية للانتخابات محايدة.. حتى في التصريحات ظهر ذلك، قد لا تكون منحازة للمؤتمر الوطني لكنها تقف ضد المعارضة، هذا بالضرورة يخدم المؤتمر الوطني، والسبب في ذلك هو موقفها الثابت ضد القضايا التي تثيرها المعارضة.
{ هل يستدعي هذا الوضع تأجيل الانتخابات؟
- الذين يرفضون «التأجيل» ليس لديهم منطق في ذلك، لأن مبدأ «إجراء الانتخابات في موعدها» خرق دستوريا وقانونيا من قبل، وأنا لم اربط التأجيل بتاريخ وانما بإجراءات، أي تلافي بعض النقاط التي هنالك تحفظ حولها، واذا تم تلافيها في أسبوع مثلا يمكن أن يكون التأجيل في أسبوع رغم أن ذلك صعب عمليا.. الحكومة لن يضيرها أن تفتح السجل من جديد أو أن تؤجل الانتخابات لفترة إجرائية تتم من خلالها اصلاحات محددة .. ليست لإجراء إنتخابات «مثالية» ولكن انتخابات تطمئن لها القلوب وتجرى بروح جماعية وديموقراطية وتقبل نتيجتها الغالبية.
وتذكر أننا مجموعة دعينا للتأجيل .. ولكن الأحزاب إعتبرته «حديث أفندية» وهاجمه البعض في الصحف، والغريب أن هذه الاحزاب عادت وأصدرت بياناً في الرابع من مارس رغم انه قيل منذ شهر ديسمبر، هذا ليس حديث «شماته».. لكن هذا يبرز قدرة الاحزاب على كيفية مطالبتها لحقوقها ومتابعتها.
{ هل تتوقع أن تنسحب كافة الأحزاب في»التحالف « عن العملية برمتها؟
- لا استطيع أن احدد ذلك، فهي مجموعة أحزاب، وبالتالي هو شكل جبهة تشمل أجنحة عديدة مختلفة، لكن القضية ليست في انسحاب حزب أو مشاركة آخر، فالقضية حول ان كانت هذه الانتخابات تستوجب التأجيل أم لا؟ لابد التعامل بموضوعية أكثر مع الوضع، يهمني فقط إن كانت الاحزاب متمسكة بإزالة العقبات أمام انتخابات مجمع عليها أم لا؟
{ لكن بعض الأحزاب قررت المشاركة رغم التحفظات المعلنة؟
- تتحمل وحدها المسؤولية عن المشاركة في انتخابات مزيفة، وتنتظر حكم الشعب.
{ ما الذي تسبب في كل هذا الارتباك السائد وسط المعارضة؟
- الأحزاب كان يمكن أن تتدخل في لجنة الانتخابات منذ تشكيلها، لكنها وضعت حساباتها بناء على أن المؤتمر الوطني لا يريد اجراء الانتخابات، ولكن المؤتمر الوطني تحمس فجأة للانتخابات، ومادام انه تحمس لها فعليه أن يجري انتخابات بصورة جيدة ومقبولة.
{ كيف تنظر إلى موقف المجتمع الدولي المؤيد لإجراء الانتخابات في ميعادها؟
-المشكلة أن مرجعيتنا اصبحت في الخارج، ودائما نرهن حلول المشكلات الى المجتمع الدولي، وهو ذات المجتمع الدولي الذي كثف ضغوطه على الشريكين لتوقيع اتفاق السلام الشامل، ورحلت العديد من القضايا.. يجب أن ننتبه الى أن المجتمع الدولي لديه أيضا مصالحه.
{ ما الذي تتوقعه من نتائج حال أجريت الانتخابات في ظل الوضع الحالي؟
- ستؤدي للعنف طبعا، وسيكون النظام القادم غير شرعي لدى الذين لم يشاركوا فيها وربما يرفعون في وجهه السلاح، لأن الهدف من الانتخابات منح شرعية مقبولة للنظام الجديد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.