الاحتلال لغة هو من أصل كلمة حلل. قال زين الدين الرازي في مختار الصحاح (المكان الذي يُحل بهِ، وحل بالمكان من باب رَدَّ، المكان الذي يحل به، أي بمعنى الإقامة .ويحُل بالضم حلولاً أي نزل). أما الاحتلال اصطلاحاً: فقد تم استخدام هذه الكلمة حديثاً للدلالة على اغتصاب الأرض للهدفين التاليين : استغلال خيرات البلاد والعباد - التمكين لفكر الغازي ودينه. فإذا فرضنا جدلاً أن دولة مثل بريطانيا أو فرنسا كان يمكنها أن تحقق هذه الأهداف التي وردت أعلاه في دولة ما كالسودان مثلاً، بدون أن ترسل جيوشاً أو تحارب أحداً. وإنما عن طريق الإعلام والحرب النفسية والعملاء والأصدقاء والسياسة والدبلوماسية وغير ذلك من الأساليب، فهل ستتعب نفسها وترسل جيشاً لاحتلال السودان؟ بالطبع لا. إن الدول المتقدمة الآن تحقق هذه الأهداف المذكورة آنفاً وهي في عقر دارها. مستخدمة الدبلوماسية المتطورة جداً والجريئة جداً. وقد علمنا أن الجهاد يتعين في ثلاثة مواضع هي: إذا التقى الزحفان(يتعين على من حضر).إذا نزل الكفار بالبلد (يتعين على أهلهِ). إذا استنفر الإمام ( يتعين على المستَنفَر). وليس المقصود أن تتكامل هذه الثلاثة أسباب في وقت واحد ليتعين الجهاد. وإنما لو تحقق أي منها على حدة يتعين الجهاد. وأسلوب الغزو والحرب في زماننا هذا قد تغير. وأصبح واجباً أن يتغير تبعاً لذلك أسلوب العُدة والإعداد. لقد أصبحت الدول في كثير من الأحيان لا تحارب ولا تغزو بالسلاح. وإنما تحقق أهدافها الاحتلالية علمياً ودبلوماسياً. ولذلك يأمرنا الله سبحانه وتعالى بألا ندع الكفار يتفوقون علينا، وأن تكون عدتنا وعتادنا مثل عدتهم وعتادهم، بل أحسن حيث يقول جل وعلا: (الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنْ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ). قال العلامة ابن عاشور : (وقوله: بمثل ما اعتدى عليكم)يشمل المماثلة في المقدار وفي الأحوال ككونه في الشهر الحرام أو البلد الحرام. الاعتداء بالمثل يتطلب التكافؤ في القوة أو التفوق حتى تستطيع أن تأخذ حقك كاملاً. فإن امتلك عدوك القنبلة الذرية أو أي سلاح كيمائي أو جرثومي فعليك أن تبادر إلى إعداد نفسك بامتلاكه وإلا فلا سبيل إلى معاقبته بالمثل كما انتدبنا الله لذلك فقال (وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ). قال ابن عاشور:(والأمر في قوله: «فعاقبوا» للوجوب باعتبار متعلّقه، وهو قوله: «بمثل ما عوقبتم به» فإن عدم التجاوز في العقوبة واجب .وفي هذه الآية إيماء إلى أن الله يُظهر المسلمين على المشركين ويجعلهم في قبضتهم فلعلّ بعض الذين فتنهم المشركون يبعثه الحَنق على الإفراط في العقاب). أه فعلينا أن نسبق العدو إلى إمتلاك مثل هذه الأسلحة، لأن الحرب عندما تنشب تكون الغلبة فيها للمتفوق. وإنما يكون سباق التسلح والإعداد قبل نشوب الحرب. حتمية إعداد العدة توجب علينا أن نفهم ما هي العدة ولمن نعدها، وماهوحال العدو وما هي مقتضيات ما نعد له؟ والآن نجد من هم غير مسلمين وممن يكيد للإسلام يملؤون علينا ساحاتنا الفكرية ويستغلون أموالنا وأراضينا وبحارنا بل وحتى أجواءنا سياسياً وعلمياً وإعلامياً، ويحققون لأنفسهم كل ما يمكن أن يحققه الغازي وهم في أرضهم. بل هم أربح وأنجح، لأنهم آمنون وتتحقق لهم أغراضهم وأهدافهم الاستعمارية الاحتلالية بلا حرب ولا أذىً جسيم. مما يوجب علينا أن نفهم وندرك أننا نقع بهذه الممارسات تحت طائلة الاحتلال المباشر. فالعدو ملتحم الآن معنا بصورة تجسد التقاء الزحفين. وهذا موطن يتعين فيه الجهاد. وكما أن العدو نازل بأرضنا بغزوه الثقافي الفكري وهو كل يوم يصطاد ثلة من أبنائنا فيتغربون معه ويتنكرون لفكرهم وأصلهم الإسلامي وهذا هو الموطن الثاني الذي يتعين فيه الجهاد وهو التقاء الزحفين. ثم إن الدين يستنفرنا والعلماء ينادوننا وهم بمقام الإمام وهذا هو الموطن الثالث الذي يتعين فيه الجهاد. إذاً فالجهاد الآن فرض عين بكل المعطيات الثلاث التي يتعين بموجبها الجهاد. فنحن الآن لسنا في ذلك العصر الذي يأتي فيه الغازي حاملاً سلاحه وأفكاره لينشرها مباشراً ذلك بنفسه بحيث نراه ونلمسه. فنحن الآن في عصر الفضاء والموجات الكهرومغناطيسية. فالذي يمتلك ناصية الفضاء ويتحكم في موجاته وأشعته فوق وتحت الحمراء والبنفسجية إلى غير ذلك فهو المنتصر. وهذا المضمار-أي امتلاك ناصية الفضاء -هو الأهم في مجال إعداد العدة.ولا إغفال لما سواه من مضامير ولكن هو الأهم على الاطلاق. فإذا كانت الدولة الإسلامية اليوم عاجزة عن تصنيع الطائرات والغواصات وهي تغوص في بحر من تخلفها التقني فأي دور ستلعبه. وإذا كان التطور والكسب العلمي اليوم هو العدة الحقيقية فلا بد أن يكون هنالك نطاق للمسئولية عن إعداد هذه العدة. فعلى من تقع مسئولية إعداد العدة؟ يمكننا أن نقسم العدة إلى نوعين:-خاص، وعام . أما الخاص فنقصد به إعداد المرء لنفسه وتجهيزه لها من حيث الاقتناع بالخروج للجهاد وعمل الترتيبات النفسية والأسرية للقيام بواجب الجهاد. أما العام فنقصد به الاستعداد الجماعي وما تقوم به الدولة من ترتيب لأحوال المجتمع. فلابد لنا من البحث في كلا النوعين باستفاضة. نواصل