وقعت غزوة بدر الكبرى في السابع عشر من شهر رمضان في العام الثاني لهجرة الرسول صلي الله عليه وسلم من مكة إلى المدينةالمنورة وهي غزوة مليئة بالعبر والمواقف والمعجزات الربانية التي صاحبت المعركة من أولها إلى آخرها لتؤكد عظمة الإسلام وعناية الله الفائقة بهذا الدين العظيم، وهو الذي أنزله وحفظه من الشبهات والأقاويل إلى يوم القيامة قال تعالي «إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون». وكما هو معلوم أن المسلمين يقودهم الرسول الكريم كانوا يودون الاستيلاء على القافلة التجارية لقريش التي كانت قادمة من الشام محملة بالمؤن والسلع التجارية الثمينة. وكانت مهمة سهلة حيث أن عدد المسلمين الذين خرجوا من المدينةالمنورة وهو 314 رجلا كان عددا مناسبا للسيطرة على قافلة تجارية لم يكن معها غير عدد قليل من الفرسان لحمايتها. وكان المسلون بقيادة الرسول عليه السلام على حق وهم يقطعون الطريق على القافلة لمصادرتها تعويضا عن ما قامت به قريش خلال عدد من السنين وهي تصادر أموال المسلمين وبيوتهم بمكة ولكن رغم وجاهة هذه الحجة التي دفعت الرسول صلي الله عليه وسلم وأصحابة للاستيلاء على قافلة قريش إلا أن الله جل في علاه يقدر أن تنجو القافلة وتخرج قريش للحرب بدافع تأديب المسلمين حتى لا يعودوا لمثلها أبدا وذلك بعد أن نجت القافلة التي لو تمت مصادرتها بالفعل لكان ذلك مأخذا على دعوة الإسلام في ذلك الوقت وفي زماننا هذا وهو زمان الحديث عن إنتشار الإسلام بحد السيف ولكن لم ترد شبهة واحدة أن المسلمين بقيادة الرسول الكريم كانوا قطاع طرق أو كانوا طلاب دنيا وهذا ما أكدته الأحداث التي تلت نجاة أبي سفيان بن حرب بقافلة قريش عندما إنحرف بها بعيدا إلى ساحل البحر الأحمر ووردت أنباء مؤكدة أن قادة قريش وشبابها من المشركين قد أعدوا العدة لقتال المسلمين لأنهم صاروا خطرا على مصالحهم أكثر من أي وقت مضي. وجاء خيار آخر هو خيار الذي سماه القرآن الكريم بذات الشوكة وتودون غير ذات الشوكة تكون لكم والشوكة هي الحرب، وأظهرت موقعة بدر فارقا عظيما في العدة والعتاد والقدرات اللوجستية حيث كان عدد المشركين أضعاف ما كان عليه عدد المسلمين وبالتالي يتفوقون عليهم في العتاد الحربي والتشوين فبينما كانت قريش تملك مائة فارس كان للمسلمين فارسان فقط ولم يكن للمسلمين غير عدد قليل من الجمال تملك قريش من ذلك الكثير. ورغم الإمكانات والعدة والعتاد تغلب المسلمون على عدوهم في بدر الكبرى وتحقق النصر وكانت نتيجة المعركة قتل 70 وأسر 70 من القرشيين. وكان المسلمون يودون أن غير ذات الشوكة تكون لهم ولم تكن الحرب في حساباتهم من قريب أو بعيد ولكن الله تعالى أراد أن يمكر على قريش كما أرادت هي أن تمكر بالمسلمين وتقضي على الدين حتى لا يظل خميرة عكننة بالنسبة لمصالحها ونشاطها التجاري بين الشام والجزيرة العربية وسمعتها بين العرب. ولذلك احتشدت في موقعة بدر الكبرى للمسلمين من الدروس والعبر ما لا يخطر على بال أهمها : أنهم بعد أن كانوا فريقين مهاجرين وأنصار ولكل فريق منهم علاقته بالرسول الكريم صاروا جميعا مسلمين تحت راية واحدة. ثانيا: انتظمت الشورى المعركة بكل تفاصيلها منذ أن أدرك المسلمون أن المواجهة لا محالة واقعة ظل الرسول عليه السلام يقول لأصحابه: أشيروا على أيها الناس بدءا بالتأكيد على جهادهم معه مهاجرين وأنصار وما جاء في الكلمات الشهيرات الحاسمات لأبي بكر الصديق رضي الله عنه وعمر بن الخطاب رضي الله عنه وكانوا في تلك اللحظة يمثلون المهاجرين وما جاء به سعد بن معاذ وهو يمثل الأنصار. ثم المشورة الأخيرة للحباب بن المنذر والمتعلقة بالمكان الذي نزل فيه الرسول عليه السلام لأول الأمر ولكنه بدله بموقع إستراتيجي اقترحه عليه الحباب في مقولته الخالدة: أهذا منزل أنزلك إياه الله أم هو الرأي والحرب والمشورة أو المكيدة في رواية أخرى؟ وكانت تلك الخطة الحبابية هي التي هزمت قريش من أول وهلة وجعلتهم يهتمون بالماء وكيفية الحصول عليه من آبار بدر التي تم طمرها بواسطة المسلمين ضمن المخطط الهادف لإلحاق الهزيمة بهم وقد شكل لهم طمر الآبار مفاجأة لم تكن في الحسبان، وكان اهتمامهم بالحصول على الماء أكبر من اهتمامهم بالقتال الذي جاءوا من أجله ما أدى لخسارتهم المعركة. ثالثا: أحدثت معركة بدر تقاربا وإلفة كبيرين بين الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه وجعلت المسلمين جميعا في ميدان واحد ومصير واحد وهم واحد هو هم الدعوة وانتصار الإسلام على أعدائه وتمكين الدين في الأرض. وقد عاش الصحابة مع نبيهم أيام المعركة خارج المدينة وهم يتناوبون على الدواب كل ثلاثة منهم على بعير ولم يميز النبي نفسه عن أصحابه حيث كان يتقاسم البعير مع إثنين من الصحابة شأنه في ذلك شأن سائر المسلمين. رابعا : قام الرسول عليه الصلاة والسلام في هذه المعركة بأخذ كل الأسباب من ترتيب للجيش ميمنة و ميسرة ومأخرة وأفلحت خطته في حرمان العدو من الميزات التي كان يتمتع بها وهي كثرة العدد والسلاح ومن بعد ذلك توجه لله تعالى بالدعاء والتضرع إليه بأن ينصر المسلمين وقد انتصر المسلمون بعون الله واستمر الرسول عليه السلام من بعد ذلك في الأخذ بالأسباب وإعداد العدة وخاض الرسول عليه الصلاة والسلام معارك كثيرة بين أهل مكة من الكفار وأهل المدينة من المهاجرين والأنصار وانتهت المعارك التي خاضها الرسول الكريم وأصحابه في سنة 630م بدخول الرسول صلى اله عليه وسلم منتصرا إلى مكة وكان ذلك في شهر رمضان أيضا.