لا يمكن الحديث عن وحدة السودان دون الإشارة إلى إستفتاء تقرير المصير المحدد له يناير من العام المقبل، ولا يمكن الحديث أو الكتابة عن الإستفتاء دون الإشارة إلى الأحداث السياسية في السودان أو المنطقة وربطها بما يمكن أن تسفر عنه نتائج الإستفتاء. في مدينة «جوبا» عاصمة الولاياتالجنوبية تجرى اجتماعات متصلة منذ ثلاثة أيام لوضع أسس متفق عليها حول العلاقة بين ولاة الولاياتالجنوبية وبين رؤساء الحركة الشعبية (لتحرير السودان)، وقد ظلت الاجتماعات تتواصل دون التوصل لإتفاق.. فالولاة المنتخبون جاءوا عن طريق إرادة الناخبين إذا افترضنا أن الانتخابات في جنوب السودان كانت نزيهة، أو إذا تعاملنا مع الأوضاع هناك بنظرية الأمر الواقع.. بينما رؤساء الحركة الشعبية في الولاياتالجنوبية جاءت بهم قوة السلاح أو الترضيات أو الموازنات القبلية والعسكرية.. وبين هذين الوضعين ينشأ وضع شاذ يؤدي حتماً إلى مواجهات محتملة وملاسنات أكيدة وربما إلى صدامات يفور بعدها الدم في العروق ويتفجر خارجها ويروح ضحيته العشرات وربما المئات. الخلاف القائم الآن أصبح مكشوفاً ومسموعاً ومرئياً للعلن.. وهو أزمة تنظيمية داخل حركة تقوم على الموازنات قبل أن تقوم على وحدة الفكر، وتفتقر إلى (كاريزما) القائد أو الزعيم الذي يلتف حوله الجميع، وتتحطم الخلافات أمام أبواب قيادته لتخرج الحلول من النوافذ للمتشاكسين أو المتصارعين، وكثيراً ما تهزم (كاريزما) القائد منطق الخلاف وتقصي حجة الاختلاف. بعض قيادات الحركة الشعبية (لتحرير السودان) يشككون في نتائج الانتخابات التي جرت في جنوب السودان مثل السيدة «أنجلينا تينج»، التي أتهمت الحركة بتزوير الانتخابات، وبعضهم أصبح على قناعة تامة بأن التزوير قد وقع بالفعل، لذلك آلوا على أنفسهم مناهضته حتى ولو بحمل السلاح مثلما فعل الفريق جورج أطور الذي جمع حوله عشرات المئات من حاملي السلاح وأصبح في وضع المواجهة العسكرية للحركة وجيش تحرير السودان حول مدينة «بور» مسقط رأس الزعيم التاريخي للحركة الدكتور جون قرنق. وفي غير «جوبا» تطير تصريحات الأمين العام للحركة الشعبية السيد باقان أموم حول إشراك الأحزاب السياسية الأخرى- غير الحركة - في الجنوب والذي سيحقق وحدة الجنوب وفق ما جاء على لسان ل (راديو مرايا إف إم)، وقد أضاف إلى ذلك أن برنامج رئيس حكومة الجنوب المنتخب سلفاكير هو قيادة شعب الجنوب للإستفتاء. كثيرون- خاصة الذين اتهموا الحركة بالتزوير- يرون أن الإستفتاء نفسه مهدد بالتزوير، والمؤتمر الوطني شريك «الشعبية» في السلطة يدرس الآن عدم تكرار أخطاء السجل الانتخابي في الإستفتاء وهو إتهام صريح بالتزوير وإعاقة مرشحي الوطني من الفوز في الجنوب.. لذلك يرى الغاضبون والمحتجون أن الإستفتاء القادم لن يكون لتقرير المصير، بل سيكون لتزوير المصير حتى تنفرد الحركة بحكم الجنوب دون منازع.. أما غيرهم فليذهب إلى الشمال أو إلى الجحيم.