هو سؤال لازمني منذ تحركي من ضاحية السامراب (ببحري) ضحىً حتى بلغت (مقابر) فاروق (بالعمارات) ولم أجد موقعاً حول السور لا توقف عليه.. فأوقفت السيارة في قارعة الأسفلت مع شبيهاتها الأخريات إذ الناس أفواجاً بيضاً.. بالجانب الشرقي لمنازل الراحلين من دنيانا .. قديماً ووسيطاً وحديثاً والآن.. يصافح الوقوف بعضهم بعضاً ترحماً وتأسياً وطلباً للقبول والمغفرة لأستاذ الأجيال ( محمد يوسف محمد) (شيخ) المحامين والساسة والاجتماعيين، الذي أعتلى الطائرة (الإيرلندية) الأوروبية إلى السودان بعد أن فاضت روحه لبارئها هناك.. لئلا يوارى (هناك).. ولكي تصلي عليه أرتال الجماعات (الأربعين) فوق (الأربعين)، فإن تلك إشارات حميدة للغفران، وطلب الصفح من رب العزة الأعلى.. فعميدنا (محمد) هو قائد الفتوحات والإجراءات النيابية ثم البرلمانية.. يرسم وينظم صفوفها من (عمارة) المحطة الوسطى.. المحطة الأم.. وهي (أي البناية) التي تربع عليها المرحوم النافذ الشاعر الأديب (محمد أحمد محجوب) أحد رموز القيادات الوطنية النيابية والبرلمانية.. والمنافح عن السودان، فاعتلاها بعده الشاب (محمد يوسف محمد)، الذي أسقانا وأورثنا الأدب الجم.. ووضع الموازين القسط ليوم هو آتٍ.. هو يوم إعلان الشريعة وكتاب الحقوق والإنضباط السلوكي والأخلاق والاستقامة على الطريق .. فخرجت من أكمام عباءته شامات تتقدم فيالق الزحف.. منهم خريجه الأكبر (علي عثمان محمد طه) القاضي والمحامي والسياسي.. وأيضاً رفيقه الراعي (أحمد إبراهيم الطاهر)، رجل البرلمانات وتخرج عليه كذلك المحامي والي الشمالية (فتحي خليل) .. ومنهم المفاوض الصبور (عبد الرحمن الخليفة) رجل القانون.. ويرنو إليهم حزناً ابنه المحامي (الجعلي) وآخرون كثيرون.. أما نجوم الدراية والعلم والخطة لقيادة المجتمع والمنافحة عن كل صائبة، فقد أضاء أمامهم بآية من كتاب الله في سورة (الشعراء) وأخرى.. قارئاً إياها وهي (رب هب لي حكماً وألحقني بالصالحين) (واجعل لي لسان صدق في الآخرين)، لأنه (أي محمد) كان يرى أركان الخبائث في المدن الكبرى.. وقد وعى خوالد المصطفى (صلى الله عليه وسلم) حين قال: (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان) فحين جاءوا بالشريعة قرأ داعياً الله القدير (رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والديّ وأن أعمل صالحاً ترضاه..) فمن هذه العمارة.. (عمارة المحجوب) ترعرع فن التخطيط والتصدي للعاديات.. وهذا هو موقع (المحطة الوسطى) بالخرطوم العاصمة- وقتها- وهي ملتقى طلاب الشهادة السودانية على مستوى الوطن.. إذ يتجمع كل طلاب الشهادة.. بعد جلوسهم وانتظار إعلان وإذاعة النتائج لدخول (جامعة الخرطوم) أو (جامعة أم درمان الإسلامية) أو ( جامعة القاهرة) بالخرطوم أو (المعهد الفني) وهذا هو التعليم الجامعي - حينها- وهي جملة جامعات السودان.. فلكم أن تقارنوها. أيها القراء الأعزاء بعشرات الجامعات اليوم.. وكما يقول المثل الشعبي (النسى قديمه تاه)، وبجهده وجهد كوادره الأخرى وجهد المقتدين بهم، تلاشت من قارعة الطريق الفاحشتان (الخمر) و(الزنا).. فلنجمع الصف نحن الأجيال المتعاقبة في الحفاظ على المظهر العام ودرء الرذيلة، ولا نتخطى العرف السوداني والسخاء... ولا نميل (لتبخيس) حق الغير أو تجاوز الحقيقة.. ولا نمكن لزاوية الشاعر: عين الرضا عن كل عيب كليلةوعين السخط تبدي المساويا و(محمد يوسف محمد)- المحامي الضليع- تصدر (الجمعية التأسيسية) أو (مجلس الشعب) أو ( المجلس الوطني) تصدره( رئيساً) لإحدى دوراته.. فلم يفرط في دوائر الرعاية والضبط وإبداء رأي حكماء الشعب السوداني في الشأن الوطني كافة.. فحين ضجت (الباوقة) والخرطوم.. كما ضجت من قبل هي عينها (أي الباوقة) لفقدان الفتى النابغة (أحمد عثمان مكي) ضجت كذلك معها (أم درمان- الثورة الحارة التاسعة) بمسجدها المنارة.. حيث يسكن (أحمد)، فصلت الأرتال الزاحفة على فتى (ثورات) القدوة والإعتدال.. وهي (ثورة شعبان 1973م)، هنا اليوم كذلك (الباوقة) و(الأبيض) و(حي السفارة السعودية) بالخرطوم.. وتدفقت العاصمة القومية وأريافها ومدن السودان في صبيحة ذلك اليوم للاسبوع الأول من (مايو)2010م.. لتصلي صلاة الوداع وتنزل آلاف الدعوات المباركات على روح معلم الناس الصبر والفتوى النيابية والاتزان ودرء المخاطر.. والإفصاح عن الآخرين (أمام) محاكم اللحن بالحجة وبسط الأدلة،(فمحمد) إذن هو (أمة) ألَّف بين قلوب المتباعدين والظانين بالآخرين ظن (الدونية) و (شهوة السلطان)، فألهم كل قابض بالصلاة وداعٍ بالمغفرة بين الصفوف المتراصة بمقابر(فاروق) ألهمهم (أن من رأى منكم منكراً فليغيره). و(الساكت عن الحق شيطان أخرس)، فمن لم يرَ رفيقه أو طبيقه أو أخاه دهراً طويلاً وجده اليوم.. مفاجأة أو بحثاً خلال الجماعات المتراحمة.. وهم يدعون كلهم- اللهم أجعل قبره(روضة من رياض الجنة) فإن وجه ( محمد) كان مكسواً بالطمأنينة والأمل.. وأبناؤه الصالحون تهطل دموعهم وتتنزل من أكفهم الداعية شآبيب الرحمات.. وهنا يتكاتف سؤالي(لمحمد) بهذه البروق الهاطلة والأمنيات لله رب العزة.. كيف وجدت أنت (الروضة) حين انصرفنا عنك وتركناك لربك العزيز الغفار.. ودينك الإسلام ونبيك (محمد)- صلى الله عليه وسلم- وصلى عليك مئات المخلصين والدعاة والأبرار.. يقولون (اللهم أبدله داراً خيراً من داره، وأهلاً خيراً من أهله.. وأدخله في عبادك الصالحين آمين آمين وإنا لفراقك يا محمد لمحزونون).