سبق وأن تناولت هذا الموضوع من قبل، واليوم نقف عنده في هذه المساحة خاصة وأن الأسابيع الماضية شهدت تبارياً بين المرشحين من التنظميات السياسية المختلفة، وتباهياً بالبرنامج الانتخابي والذي أنصب كثيراً على موضوع التنمية والبُني التحتية.. هذه الشعارات التي ظلت تدغدغ أحلام أهالي محلية الرهد طيلة السنين الماضية، بأن تتم سفلتة طريق الحواته القرية «3» والذي يعتبر شريان الحياة لأهالي تلك المنطقة، خاصة في فصل الخريف حيث تظهر المعاناة الحقيقية بانقطاع الطريق مما يجعل المنطقة في عزلة بكاملها. ولكن من الملاحظ أنه سنوياً وقبل فصل الخريف بشهر أو شهرين على الأكثر تشاهد آليات تجرجر أذيالها نحو الطريق وتقوم بوضع كميات من التراب على مسافات متفاوته ومتباعدة لعدة أيام وأسابيع أحياناً قبل طرحها على الأرض، ويخيل للناظر من بعيد بأنها فريق لبعض الرحل أو قطاطي متناثرة هنا وهناك خاصة بعد أن تمت تعرية كل المنطقة من الأشجار والغابات التي لم يشفع لها الغاز الذي أُدخل كبديل لهذا النوع من الوقود.. هذه الحركة السلحفائية تظهر سنوياً في صيانة الردمية حتى يخيل لك بأن الشركة المنفذة تعمل بنظام اليومية، وذلك لأخذ أطول وقت ممكن، ولكن يتوقف العمل سنوياً بمجرد نزول الأمطار التي تعيق الصيانة في هذه الردمية التي لم يُراع فيها أدنى الأسس الهندسية. ومن المعلوم أن طبيعة الأرض طينية وتتطلب قدراً كافٍياً من الدراسة لطبقات الأرض، وبما أنها تمر في شريط موازٍ لنهر الرهد في جزء كبير منها، وحيث هطول الأمطار بغزارة في الجهة الشرقية منها والتي تنحدر مياهها من الجبال وغيرها من المناطق المرتفعة.. فهذا يتطلب مزيداً من الدراسة لمسارات ومجاري المياه بحيث تتطلب عمل مصارف «ومزلقانات».. ولكن بالرغم من جود بعضها.. يلاحظ في فصل الخريف أن هناك كثيراً من المياه الراكدة على حافتها الشرقية، مما يعني أنها لم تُراعى فيها الدراسة العلمية العميقة، فلست جيولوجياً أو مهندساً له قدر من المعرفة بالمسائل الهندسية من هذه الشاكلة، ولكن ذلك من خلال المشاهدة المباشرة للواقع الماثل أمام الجميع .. ومن الملاحظ أيضاً أن هناك كثيراً من الشركات تعاقبت على هذا الطريق، فنجد شركة (X) تعمل بنفس التوقيت وبنفس البطء ولكن في الموسم القادم تظهر شركة (Z) وهي الأخرى تسير على ذات النهج، ومن بعد شركة (Y) وهكذا دواليك، هذا مما خلق كثيراً من الأسئلة في أذهان الكافة حول هذه المنطقية في التعامل مع هذا الطريق عبر السنين، وهذا هو أساس القضية. ففي حين أنشئت مئات الطرق بآلاف الكيلومترات.. في ولايات السودان المختلفة وفي ولاية القضارف أيضاً..لم يبرح هذا الطريق مكانه وهذا المنوال لم يكن مبعث فرح في نفوس سالكي هذا الطريق، وهم يمنون أنفسهم بأن تتم سفلتته إلا أن أحلامهم تهدر بهطول الأمطار وتظهر المعاناة من جديد. ولعله من المعلوم أن هذا الطريق يربط منطقة نهر الرهد بالطريق القومي بورتسودانالخرطوم عند مدينة الفاو وتأتي أهميته من الناحية الاقتصادية لما تذخر به تلك المنطقة من خيرات زراعية وحيوانية حيث المساحات الواسعة لإنتاج الذرة والسمسم والدخن، وهذه المحاصيل تسهم بدورها في دفع عجلة الاقتصاد القومي بشكل مباشر مما جعل من السودان سلة غذاء العالم، ومن القضارف سلة غذاء السودان، وهذه المنطقة الغربية لولاية القضارف بلا شك لها دور فعال في تحريك عجلة الاقتصاد بالولاية بإنتاجها لمحصولي الذرة والسمسم المزروعة في مساحات شاسعة بالمشاريع المطرية، بالإضافة للخضر والفواكهة التي تزرع على ضفتي نهر الرهد خاصة «منقة الحواته» التي لها رواج في أسواق العاصمة منافسةً لرصيفاته من «أبو جبيهة» وغيرها فلذلك تأتي أهمية هذا الطريق في جلب المستثمرين في مجال تعليب الخضر والفواكة ومصانع الزيوت ومشتقات السمسم كالطحنية وغيرها. وأيضاً في مجال الثروة الحيوانية والسمكية وذلك بتسهيل حركة النقل والترحيل من مناطق الإنتاج لأسواق الاستهلاك بأقل التكاليف.. وكل ذلك بدوره يخلق فرص عمالة لأهالي المنطقة وتقليل العطالة، مما ينعكس على وضعهم المادي ويكون دليل عافية لإخراج كثير من الأسر من دائرة الفقر وبلا شك لا أحد ينكر الوضع الذي تعيشه هذه المنطقة، حيث لم تأخذ حظها ونصيبها من التنمية.. حيث انعدام الطرق المسفلتة والوضع الصحي المتردي بعدم وجود الكوادر الطبية المؤهلة في ظل وجود بيئة عمل غير صالحة لتلك الكوادر حتى تقوم بدورها على أكمل وجه.. ولعل كل ذلك يقودنا لمفردة التهميش التي ظهرت في القاموس السياسي وترددت كثيراً في السنين الماضية، مما حدا بالبعض برفع السلاح في مواجهة الحكومة.. ولكن ظل إنسان تلك المنطقة يؤمن بأدب المطالبة السلمية، وإيماناً منه بعدم جدوى وسيلة رفع السلاح والتي في تقديري لم تجدِ شيئاً بل زاد التهميش، والضحية الأول والأخير هو ذلك المواطن البسيط، فأي تهميش أكثر من انعدام الطرق المعبدة والمستشفيات المؤهلة، وكل ذلك في ظل انعدام الكهرباء في بلد به الكثير من الخزانات والسدود.. ولكن ظل إنسان هذه المنطقة صابراً ينتظر بركات السماء بإنزال الغيث الوفير وكل أمنياتنا أن يكون خريف هذا العام أكثر وفرةً عما سابقه.. المحامي