كالصاروخ، طارت أسعار الأراضي .. كل الأراضي جنوب غربي أمدرمان ! السبب ليس لأن المنطقة حبلى بحقل نفطي مترع بالبترول، ولكن لأن المطار الدولي الجديد سيكون هناك. والمطارات في كل العالم، تحمل البشرى للبيئات المحيطة ، فكل مطار جديد يستصحب وجها جديدا للوسط الذي يضمه، و(الخلاء) المحيط بأمدرمان، مهيأ أكثر من أمدرمان الأم، للعمران الحديث، وإقامة البنيات التحتية ، والتخطيط المنظم، والتصرف في الأرض دون رهق التعويضات والإزالة وغيرها . أراض لم يكن سعرها يتجاوز، منذ سنوات قليلة، بضعة آلاف من الجنيهات، طارت الآن إلى مئات الآلاف، وبعض الأراضي المميزة في تلك الأصقاع، بلغت الملايين (بالجديد)، رغم أن منظر (الخلاء) ما زال هو السمة الأساسية في محياها الجميل ! بصدق، لو كان صويحبكم يملك الملايين، لما فكر في جنوب غرب أمدرمان، أو أراضيها. ففي زمن الضجيج، والزحام، وحركة السيارات، وتكدس الأسواق التي لا تبيع، يصبح (الهدوء) سلعة نادرة، ومرغوبة، ومرتفعة الأسعار، لكل ذي بصر وبصيرة . تريدون معرفة المطارات ؟ اسألوا أهل الصحافات الشرقية، وأهل أركويت، وأهل العمارات، عما يفعله ضجيج الطائرات بآذانهم، وبنومهم، وبضغطهم، وبمباني المنازل التي سكبوا فيها مدخرات عمرهم ! كل العالم، ودون استثناء، تواضع على أن الضجيج أحد الملوثات النشطة للبيئة. وسكان المناطق المذكورة، يستيقظون يوميا، في ساعات النوم (الحلوة)، منتفضين مذعورين، وعيونهم متفنجلة جاحظة، من أصوات طائرات ضخمة، تشق عنان السماء، وتتهدد السكان الآمنين بالسقوط فوق رؤوسهم، أو بخرق طبلة آذانهم دون أي ذنب جنوه ! صحيح أن الطائرات حين تقع .. لا تستثني بعيدا أو قريبا من المطار، فلقد داهمت العواصف النفاثة برجي مركز التجارة العالمي في نيويورك، وأحالت المبنيين، والمتسوقين، والمقيمين هناك، إلى رماد وغبار !وسكان أركويت، لا ينسون أبدا تلك الطائرة المترنحة، التي جالت وجالت، ولم تجد مكانا تلقي فيه عصا التسيار، سوى قلب الأحياء السكنية في أركويت الوادعة ! المطار ليس مشكلة، لكن المشكلة في الضجيج، والذي لا (ينعم) به سوى القريبين من المطارات، وهو ضجيج يمكن تحمله لمرة واحدة او لبضع مرات، أما أن يكون جزءا ملازما للحياة، ويتكرر على مدار اليوم، فذاك هو الجحيم الدنيوي بعينه ! نعم .. لا يملك صويحبكم الملايين سواء بالقديم أو الجديد، لذلك لست من المتهالكين على أراضي جنوب غرب أمدرمان، ولو ملكت تلك الملايين، بالقديم أو الجديد، لاخترت الأماكن البعيدة عن المطارات، حفاظا على منزلي من التصدع المبكر بسبب الأزيز، وحماية لطبلة أذني من الطرشقة دون ذنب جنيته !