جاء رأس السنة يتمخطر، وامتلأت الدنيا بالإعلانات التي تروّج لليلة المشهودة، وبدأ أصحاب البحبوحة في حجز التذاكر المشتعلة بأسعارها الخرافية، في حين بدأ آخرون استعداداتهم للاحتفال ببساطة متناهية .. لا تحتاج كثير مال، ولا يحاصرها ضجيج الساوند سيستم الذي يفقع الآذان ! صحيح أن المناسبة لا تأتي إلا مرة واحدة في السنة، وصحيح أن من حق الناس أن تفرح في زمان قاس يضن بالفرح على خلق الله، لكن تذاكر المائة جنيه والمائتي جنيه للفرد الواحد، هي ببساطة نصف راتب العامل البسيط، وقد تكون أكثر من النصف، ويا لها من معادلة ! عموما لا بأس، فمن يمتلك القدرة على الدفع، فما المانع أن يدفع ؟ خصوصا إذا علمنا أن هذه الدراهم التي يتم دفعها .. تذهب لجيوب متعددة .. منها طبعا جيوب الكثير من العمال والطباخين والحراس .. فضلا عما يكسبه أصدقاؤنا المطربون والعازفون وغيرهم . والعاصميون في أكثرهم يحبون رأس السنة، ولم يستطع أحد أن يمنع اهتمامهم بالمناسبة، وفي العام الماضي حدّثت قرائي عن الحدائق العامة (المجانية) التي بدأت تسجل حضورها القوي مع كل سنة جديدة، حيث تكتظ بالأسر ومفارشهم المريحة، وتتمدد تجمعاتهم شرقا من حدائق بري إلى حدائق المقرن غربا، فضلا عن حدائق بحري، وحدائق أمدرمان وأبرزها حدائق الملازمين. لكن رأس السنة يتزامن مع ليالي الشتاء الباردة، ولذلك فإن درجات الحرارة تلعب دورا في إقبال الناس على المناطق المكشوفة، وكلما كانت الليلة دافئة .. توافد الناس زرافات ووحدانا على الحدائق العامة، والعكس طبعا صحيح، خصوصا لمن تجاوزوا سن الشباب . أذكر قبل بضعة عقود، أيام فورة الديسكو، أن الشباب العاصمي كان يسهر ليلة رأس السنة في بعض الأماكن المخصصة، ومنها الفنادق، حيث تكتظ صالاتها بالمحتفين والمحتفيات، ويبدأ الديسكو والموسيقى، ويسهر القوم حتى الساعات الأولى من الفجر .. مودعين عاما انصرمت أيامه، ومستقبلين عاما آخر بالبشر والترحاب . لكن ذلك الزمان لم يشهد ثورة الفضائيات، ولذلك كان لا بد من المشاركة الشخصية في الاحتفاليات، حتى يتم استكمال المتعة بالحدث الحولي، لكن وقتنا الحاضر حمل مفاجآته السعيدة، وخصوصا لمن يخشون البرد، أو يتوجسون من متاعب المواصلات ومشكلات العودة في الأوقات المتأخرة، فأصبح بالإمكان، وبسهولة كاملة، مشاركة المحتفين في أي مكان بالأرض، عن طريق التغطيات التلفازية الفضائية، فيستمتع الناس بالموسيقى والأجواء الاحتفالية، وهم مستلقون تحت البطاطين الدافئة، عن طريق متابعة التلفاز دون أدنى مشقة ! صويحبكم سيكون من تلك الفئة الأخيرة .. ليس اتقاء للبرد الذي يقال إنه قتل أخانا أبا ذر، ولكن أيضا حفاظا على دراهم عزيزة مخصصة لمصروفات الشهر. هنيئا للمحتفين سواء كانوا في الصالات الدافئة، والتي تتحكم أجهزة الفريون في حرارتها، أو في الحدائق العامة التي لا تخلو من الدفء سواء بالوجود الأسري الجميل، أو بأكواب الشاي الساخن .. التي تأتي بالثرامس الأنيقة مع المحتفين . شكرا للتفاعل أحد أصدقاء العمود العزيزين، تفضل من مهجره بإرسال بعض الأدوية لمريض ألمحنا لشكوى ذويه من انعدام الدواء الذي يحتاجه في الصيدليات المحلية . الدواء وصل لصاحبه، والشكر أجزله لصاحب المبادرة .. صديقنا الحبيب (العميد الحسين)، جزاه الله خير الجزاء.