الأستاذ مؤمن الغالي: حيّاك الله وحيّا هذا القلم الذي ينهل من رحيق طيّب لا ينضب له أبداً معين. معكم حتى القبر كلمات ناصعة بيضاء.. خطبة رائعة عصماء.. موعظة حسنة.. تذكرة لكل عبد مُنيب.. تبصرة لكل من له قلب وألقى السمع وهو شهيد. وحديثك الضافي عن أولئك الأخيار حديث القلب للقلب. فهم يا أخ مؤمن نفر كريم من عقد فريد منضود.. من جيل شامخ وسلف صالح لن يتكرر ولن يعود. أتاهم الله من فضله فجادوا به خيراً للوطن ولأهله. فكانت المدارس والمشافي والمساجد والأوقاف.. عمل صالح وأياد بيضاء حملت في الأكف النعمة والرحمة والآلاء.. لم يتجاوزهم الزمان.. لم يتخطاهم المكان.. خلّدهم التاريخ في صحائف من ذهب وأحرف من نور. والتاريخ لا يخلد من يأخذ ولكن من يعطي ومن يهب. أما أصحاب الفيل ولصوص اليوم الذين انتفخت أوداجهم وجيوبهم من مال حرام، الذين عاثوا في الأرض فساداً وضلالاً ولم يمتد إليهم سوط الجلاد فتوجوا وكرموا أوسمة ومناصب وألقاب. هؤلاء سيلعنهم التاريخ إذلالاً ويلعنهم الناس احتقاراً ولهم في الدنيا خزي وفي الآخرة عذاب عظيم. وشتان ما بين هؤلاء وبين أولئك. سأل الحائط المسمار: لم تشقني؟ فأجابه المسمار: سل من يدقني أحمد حسن أحمد أم درمان من المحرر سعادة الجنرال.. أحمد حسن.. لك الود .. والتحايا وها هي.. كلماتك.. رياح رخاء.. تملأ أشرعة مركبي.. تدفع.. معي المركب ليشق تلاطم أمواج البحر..هي العزاء..والسجود شكراً لله.. إنّ كلماتي.. لا تذهب أدراج الرياح.. احترمت قلمي كثيراً.. بل وضعته .. حيث الأفلاك والكواكب والنّجوم .. لا أجد كلمات...(تفشني).. غير أن أقول ونحن يا جنرال لمثلك نكتُب.. وحتى لا تغرق.. وحدك في بحور الثّناء.. والمدح والاحتفاء.. أقول.. لست وحدك.. جحافل.. من فقراء بلادي.. و(حرافيش) وطني.. يرون ما أرى.. يبكون .. للذي يُدميني.. يألمون للذي يُشقِيني.. يفرحون للذي يُطربني ويُبهجني.. نحن.. في خندق.. واحد... نحن شعب الوطن الغالي.. في مواجهة القبح والظلم.. والاستغلال.. بل الاستعباد.. ولكني أراك.. تحتفي.. بكلمات قلائل.. في مقالي.. وأنا أتحدّث عن أغنياء التاريخ.. الذين.. جمعوا ثرواتهم على نهر الدم والرهق.. والدموع... الذين.. صاروا أرقاماً في دنيا المال والأعمال.. وهم يجمعون ثرواتهم.. تعريفة.. تعريفة.. ثم يستجيبون لنداء أرواحهم الإنسانية النبيلة.. ويُشيّدون المدارس والمشافي.. والمساجد والأوقاف.. بلا جلبة ولا ضوضاء.. ولا فلاشات... كاذبة تفضح.. عمل البر ليكون إعلاناً باهراً.. لشخصية المُتبرّع.. تصدق.. يا جنرال.. رغم أني مولود في ودنوباوي.. وكم ترددت.. مراراً ملتمساً العلاج.. من مركز عبد المنعم الصحي في الهجرة..تصدق يا صديقي.. أني وحتى الآن لا أعرف .. أين كان يسكُن رجل البر والإحسان عبد المنعم.. وماذا كان يعمل.. وأي نشاط كان يُدير.. صديقي.. أنا لا أكتب.. ولا أجد نفسي عند لحظات وساعات الفرح.. يتدفق المداد من قلمي.. وقبله تتدفق دموعي.. ويستجيب(القرطاس) لعربدة مقالي.. عندما أتحدّث عن الظُلم.. والاستغلال.. واللصوصية و(هبر الحرامية) وأيدي الباطشين.. المُلطّخة بدماء الأبرياء النازفة دماً وصديداً.. لذا فقد احتفيت... بكلمات صلاح.. وهو يرثي شقيقته.. وفي متنها ... يطمئنني بأن هؤلاء.. الجبابرة والطغاة.. حتماً يرقدون يوماً.. بلا حول ولا قوة.. في جيرة جغرافية مع ضحاياهم.. والضحايا .. في الأجداث.. أسعد.. لا تقُل لي يا صديقي.. إن هذه(الشماتة) لا تليق.. بعد الموت.. ولكن اعلم يا جنرال.. أن مثل هذا القول.. الذي نكتُب.. يظل دروساً وحاجزاً .. وتحذيراً من التمادي.. في هذه اللوحات المُتوحّشة المُتمثلة.. في سيّد ومسود.. في صولجان.. ومواطن بائس غلبان.. لك الود.. أجزله .. والتّحايا.. المعجونة بعرق الشعب.. المبخرة بعطر أنفاس الشعب.. مؤمن