وقف أمامي بأنفاسه المتسارعة وهو يقول: نقبل الهزيمة من إسرائيل ولا نقبلها منهم! قبل أن يحمل علمه ويواصل الهياج راكضاً.. ولقد رأيت هذا المشهد بأم عيني تردده إحدى الفضائيات الخبيثة في معرض رصدها لإحداثيات وتفاعلات جمهور دولتين عربيتين إفريقيتين ومسلمتين هما مصر وشقيقتها الجزائر!! ولقد أخذ مني العجب كل مأخذ وأصابني الحزن على حال الأمة التي صارت ألعوبة في يد الإعلام الصهيوني، يشعل بها حريق الحرب تارة ويفسد بها العلاقة تارة أخرى، فسبحان الذي جعل من عراق الأمس الأبي المحرر عراق العروبة والبعث مغضوباً عليه، وجعل من عراق اليوم عراق الاحتلال والعملاء والنخاسة والذلة مرضياً عنه وصديقاً حميماً! وما دفعني لتسطير هذا المقال الذي لن يجدي بجانب الإعلام الصهيوني وعملائه فتيلاً، ما أيقنت أنه مخطط حديث لبث الشتات والتفرق بين أبناء أمة واحدة، فهل يعقل أن تتحول منافسة شريفة في كرة القدم بين شقيقتين هما مصر والجزائر، إلى حد التنابذ الفاحش وإخراج السكاكين والسواطير واستدعاء السفراء وتهديد ما يسمى بجالية الدولة وهي في حماية دولة أخرى يفترض أنها هي ذات الأرض التي ترضع منها العروبة!! لقد خططوا ليال طوال لإشعال هذه الحرب غير المعلنة وهم يعبئون جماهير كل طرف على كراهية الآخر لخلق عداوة بين شعبين شقيقين، ولقد نشطت عشرات الإذاعات الغربية والصهيوعربية في رصد أخبار من شاكلة:(مشجع جزائري يتوعد بأن يغسل علمه الذي اتسخ بدماء مشجع مصري) و(مشجعو الفريق المصري ينهالون بالضرب على مشجعة جزائرية بلا رحمة)!! وعشرات الأخبار من هذا القبيل أجزم أن أكثرها مفبرك، ولقد رأيت من مثل هذه القنوات رصداً منحازاً لا مستقلاً في منافسة يفترض أن يلتزم فيها إعلامنا العربي الحياد ويتسم بالنزاهة والمهنية. ولذلك فلقد فاحت رائحة الفتنة بأفضل وأحدث ما تكون من طرق التخطيط بالدرجة التي يصعب معها الإحساس بتأثير هذه الأيدي الخبيثة، ففيمَ كل هذا التجاذب والبغضاء؟ وهل مباراة في كرة القدم كانت تستحق كل هذا الرصيد الذي دفعته الأمة كراهيةً وشتائم وشحناء؟ ولمَ الحرب المريرة التي صورها لنا هذا الإعلام المغرض بين الشقيقتين مصر والجزائر.؟ مصر الكنانة والتي جعلت إسرائيل تلعق كوعها في نصر أكتوبر 1973م المجيدة، وجزائر بن بيلا أرض المليون شهيد والتي أطل منها وجه الشهيدة البطلة جميلة بوحيرد، إنها حرب إعلامية مسعورة ومقصودة على قلعتين مهمتين من قلاع الأمة العربية، تجسدت في روح الثورة التي صدّرها الجزائريون للأمة، كما تجسدت في روح المقاومة المصرية لاستعادة الأرض العربية المحتلة وهم يقدمون دورس الفداء والتضحية، ولذلك فإن أولئك القابعين خلف الكواليس قد أحسنوا اختيار ركيزتين هامتين من ركائز الأمة ليهدموا ساسهم بمعاولهم الإعلامية الهدامة. ولقد تجلى المخطط في أكثر صوره وضوحاً وهو يفرغ من بذر بذور الفتنة بين شعبي مصر والجزائر، ليحاول أن يعيد بذرها بين مصر والسودان باتهامات على ألسنة إعلام مصري غير وطني ومغيب، رمى السودانيين بمجاملة الجزائر على حسابهم وما قيل عن أن السودان ليس آمناً وأن الفوضى كانت هي سيدة الموقف، وما إلى ذلك من اتهامات ينتفض بعدها الإعلام السوداني مباشرة مدافعاً عن تنظيمه الجيد للمباراة، ثم صعود الأزمة إلى الحد الذي طالبت فيه أقلام سودانية بالمعاملة بالمثل وغيره الكثير في هذه المعمعة الفضيحة، فشل هذا الاعلام في إعادة منافسة رياضية إلى إطارها الحقيقي، وبما أنني أعمد لتوصيف وفضح هذا المخطط، فإنه لن تأخذني روح الوطنية الزائفة وأنا أنتصر لأي من هذه الأطراف الثلاثة، فالوطنية في اعتقادي هي الانتماء أولاً لهذه الأمة وبدونها فإن مفهوم الوطن يبدو بتوصيف بسيط وبلغة السوق كالشيك الطائر، إذاً هي حرب إعلامية شرسة بين مصر والجزائر والسودان، والتحكيم فيها صهيوني يدين هذا ويبرئ ذاك كيفما شاء ولقد امتد حتى مواقع الإنترنت والإذاعات وكل وسائل الإعلام!! وما أود أن أوجز به قولي إنه كان هناك أخرون وطنيون يرصدون هذه الحرب المفتعلة ويحللون، وبالرغم من أنهم لم يملكوا وسائل الإعلام الضخمة ولا الأموال، ولكنهم ردوا على هذه الفتنة بحكمة عظيمة ذكرتني بالمثل العظيم:(الأفكار الصغيرة لا تدركها سوى العقول الكبيرة)، ولقد تجسدت في لافتة قماشية بسيطة رفعت في إستاد المريخ تجاهلتها كاميرات الفضائيات عمداً، ثُبت على طرفيها علما مصر والجزائر وكتب في وسطها شعار كبير وعظيم(أمة عربية واحدة ليس هناك خاسر اليوم)، فلو كان إعلام العاطفة الحمقاء العربي الذي يسهل توجيهه عن بعد قد قرأ هذه الحكمة، لما ترك للمخربين مساحة يشعلون فيها نيران الاقتتال بين أبناء الأمة الواحدة، ولما انجرُّوا خلف الإعلام الصهيوني الذي يصف المقاومين للاحتلال بالإرهابيين والقتلة المجرمين بالمحررين، وهم من يسمون الاحتلال تحريراً والمناضلين ديكتاتوريين ورجال الأمة الأشداء دمويين والمحافظين على ثقافة الأمة ومكونها(عنصريين) وماسحي أحذية الغزاة الكرزايات(الديمقراطيين). سيظل إعلام صهيون يبحث عن كل ثغرة يستثمرها لإفراغ قضايا الأمة من مضمونها الجوهري كقضية فلسطين وصرف شعوبها نحو الوهم!! التقيت العم آدم في طريقي إلى العمل وسألني ببراءة(الحاصل شنو، قريت في الجريدة استدعاء الحكومة السودانية لسفير مصر، واتصال مدير المخابرات المصرية بمدير المخابرات السودانية!! في شنو هم قبضوا شبكة تجسس مصرية؟؟) فرددت في داخلي يا ريت!! حاشية: الأخ مصري ولا سوداني ولا جزائري؟..(أنا عربي).