بتاريخ التاسع من شهر مايو الماضي كتبت في هذه الزاوية تحت عنوان «الكاستا في مصر والسودان»، حديثاً مفصلاً عن التحركات الصهيونية لإجهاض الثورة المصرية او على اقل الفروض توجيهها لتمضي في اتجاهات غير محددة او مغايرة لما يشتهيه الاحرار من المسلمين في هذا الزمن الأغبر، نعم كان ضابط الموساد الذي تم القبض عليه أخيراً وهو يمارس التجسس والتحريض للفتنة الطائفية، كان في تلك الايام ينشط في ميدان التحرير وبين ازقة وحواري أمبابة بالقاهرة من اجل تنفيذ مخطط الموساد واشعال الفتنة الطائفية التي ستشغل المصريين عن الثورة ونتائجها وثمارها، ولفائدة القراء نعيد نشر مقاطع من تلك المقالة، ونحمد الله اننا كنا محقين في ما ذهبنا اليه. ان تحليل الوضع الراهن في مصر يقودنا الى التساؤل عن الدور الاسرائيلي في المسألة، باعتبار ان ما جرى من تغيير جماهيري في أم الدنيا لم يكن متوقعاً ولم ترصد بوادره من قبل اجهزة العدو الصهيوني، وبالتالي فإن الانهيار السريع لنظام حسني مبارك وحزبه المتواطئ مع الحكومة الاسرائيلية، أربك حسابات حكومة تل آبيب التي ظلت طيلة السنوات المنصرمة تتابع وترصد حركة الرفض الجماهيري لسياسات حكومة مبارك الخارجية، وبالتأكيد حصل للصهاينة العلم الكافي بأن شعب مصر غير راضٍ عن السياسة المصرية تجاه إخوتهم الفلسطينيين. وبالإضافة الى براءة الثورة المصرية من الصنعة الاجنبية وتعبيرها عن حقيقة مكنونات الشعب المصري، فإن جهاز الموساد الصهيوني بدأ يتململ ويتضخم قلقه تجاه المساعي المصرية التي كللت بالنجاح أخيراً في توحيد صفوف الفلسطينيين وجمع كلمتهم، وهم الآن يعتبرون اتفاق المصالحة الموقع في القاهرة بين حركة حماس وحركة فتح مؤشراً خطيراً وبرنامجاً تقوده مصر الجديدة قد يؤدي بلا شك إلى تهديد الوجود الصهيوني بأكمله، ولذلك من الواضح جداً أنهم تبنوا برنامجاً طارئاً لإشعال الفتنة الدينية في مصر بوصفها ردة فعل فورية على خطوة مصر الاخيرة. وهكذا اندلع العنف الطائفي واشتعلت الحرائق في المساجد والكنائس لإلهاء مصر الجديدة، فتتخبط في طريقها الجديد، وبالتالي يقل الخطر الناجم عن التغيير. إن أسلوب الموساد في إشعال الحرائق داخل دول الطوق او الدول التي تعتبرها حكومة الاحتلال دولاً عدوة أسلوب قديم ومكشوف، وبإمكان أجهزة المخابرات العربية كشف «الكاستا» ومخططاتهم الخبيثة عبر رصد التحولات السريعة المباغتة التي يُراد بها إشاعة الفتن في الشارع العربي، نعم إنهم يعملون على الأرجح لإشعال نيران الفتنة بين أبناء الشعب الواحد عبر إذكاء مشاعر الغضب الديني والمذهبي والعرقي وسط السكان، فتندلع الاشتباكات وتكبر حتى تتحول الى حرب أهلية فتنسف الأمن والاستقرار، وهو بالضبط ما يسعون اليه الآن في مصر وما يخططون له مستقبلاً في أبيي وجنوب كردفان وجنوب النيل الأزرق وشرق السودان، فهل تعي الأجهزة المختصة في مصر والسودان ذلك؟ لقد رأينا نحن في السودان كيف استطاعت طائرات سلاح الجو الاسرائيلي اختراق مجالنا الجوي مرتين لتخلف وراءها الدمار والجثث المتفحمة، بحجة ردع عمليات تهريب السلاح إلى الغزاويين، وهم الآن يشعلون نيران الفتنة وسط الشعب المصري لتغيير وجهة الثورة المصرية الفتية إلى غايات أخرى، فلا تهتم بالقضايا العربية ولا الفلسطينية تحديداً، وإنما ينصب اهتمام المصريين في معالجة الوضع الداخلي، وكلما هم المصريون بإنهاء الفتنة الطائفية أشعل «الكاستا» نيراناً أخرى وهكذا دواليك، إنه من صنع الصهاينة اليهود قتلة الأنبياء والرسل، فلا تتبعوا خطواتهم يا أبناء مصر وصناع الثورة، وما نوصي به جيراننا في مصر نوصي به أنفسنا كذلك.