إذا شاءت الصدف، وحالفك الحظ أن تجالس السيد لي شينغ سعادة السفير الصيني بالخرطوم، أول انطباع سوف ينتابك أنه ليس غريباً ولابعيداً عنك فهو متحدث لبق وودود ويجيد العربية ربما أكثر من الصينية، وهذه للمبالغة، فهو إنسان بسيط ومتواضع وعلى قدر عال من الثقافة والعلم.. التقته (آخر لحظة) في دردشة استثنائية تحدث فيها عن انطباعاته عن السودان وأهله وحبه للنيل ووردي و.. و.. السمك ولحم الضأن. هل زرت السودان قبل أن تتولى منصب السفير فيه؟ - هذه أول مرة أزور فيها السودان وأعمل به، وكانت زيارتي له حلماً يراودني منذ ثمانينيات القرن الماضي حيث كنت على وشك أن أتلقى دراستي الجامعية فيه ولكن لظروف مفاجئة لم أتمكن من تحقيق هذا الحلم. ماهي انطباعاتك عن السودان قبل وبعد مقدمك إليه؟ - قبل وصولي للسودان تكونت انطباعاتي عنه عن طريق الصحف والكتب والتلفزيون بأنه أكبر بلد في أفريقيا وشعبه متواضع جداً وسهل التعامل، خاصة وأنني تعاملت معهم في بكين عبر الطلاب السودانيين الوافدين وموظفي السفارة، وأعطاني ذلك انطباعاً بأن السودان بلد بعيد جداً ولكن قلب شعبه قريب جداً من قلب الشعب الصيني، بالإضافة إلى معرفتي بالتعاون السوداني الصيني منذ وقت مبكر جداً في السبعينيات بإنشاء قاعة الصداقة والكثير غير ذلك، فعرفته قبل أن أحضر إليه... وبعد حضوري للسودان ازداد انطباعي عنه من حسن الضيافة وسهولة التفاهم والتبادل والرغبة القوية في تعزيز وتطوير علاقتنا معه، خاصةً وأن هنالك الكثير من المشاريع تربطنا به وهي تعبر عن عمق الصداقة بين الشعبين، والجدير بالذكر أنه خلال هذا العام فقط هنالك عشرة مشاريع دخلت في التنفيذ بيننا. ماهي انطباعاتك عن الشعب السوداني؟ - أحبهم جداً، وذلك للتعاون والطيبة بينهم ومساعده بعضهم البعض حتى الأجهزة الشرطية تقدم المساعدات، وهذا أعطاني انطباعاً عميقاً جداً وهذه روح أخوية تدل على الخير وتعبر عن نوعية هذا الشعب. ü إلى إي حد تقارن مستوى المعمار الهندسي وجمالياته بالعاصمة الخرطوم، مقارنةً ببعض الدول العربية والأفريقية التي زرتها؟ - زرت الكثير من العواصم في الدول الأفريقية والعربية، ولكن الخرطوم تختلف عنها بالحيوية الكبيرة الموجودة فيها وهذا حديث كل الأجانب الموجودين فيها، فأين ما تذهب تجد نهضة معمارية جديدة وهذا يعبر عن اتجاه إيجابي يبشر بأفق واسع للتنمية بالعاصمة، وأنا كسفير اعتبر نفسي من سكان الخرطوم لذلك اهتم وأتابع النهضة فيها، واتمنى أن تتقدم البنية المعمارية فيها أكثر من ذلك، وتنتظم حركة المرور فيها بصورة أسرع وينتبه السائقون في القيادة، فقد علمت بأن نسبة حوادث المرور عالية جداً واتمنى أن يتحسن ذلك. ü أنت تتحدث اللغة العربية بطلاقة.. هل ذلك نتاج حبك لها.. أم أنه جزء من عملك الدبلوماسي؟ - اللغة هي جسر التواصل بين الشعوب، ونحن في الصين لدينا حوالي (20) كلية جامعية لتدريس اللغة العربية، وقد أسعدني كثيراً وجود كلية لتعليم اللغة الصينية في جامعة الخرطوم، وفي خطتنا القادمة إنشاء مركز ثقافي صيني بالسودان. ü ما الذي أدهشك في السودان دون بقية الشعوب الأخرى.. وبماذا يتميز الإنسان السوداني؟ - الشعب السوداني يتحلى بتقاليد رائعة ويحب التعاون مع الشعوب الأخرى، والإنسان السوداني سهل التفاهم ويقدم العديد من المساعدات، ودائماً ما أقول للجالية الصينية في الخرطوم لابد من أن نستفيد من هذا الشعب ونتبادل الخبرات والمشاعر الودية معه. ü القواسم المشتركة بين الشعب السوداني والصيني؟ - هنالك تشابه كبير جداً بين الشعبين مثل حسن الضيافة، فنحن لا نسمي زوار الصيني بالأجانب وإنما الضيوف مثل السودانيين تماماً، هذا بجانب اهتمام الشعبين بمصير الوطن وشؤون الدولة، فكل سوداني يعتبر سياسياً لحرصهم على قراءة الصحف ومتابعة الإذاعات يومياً مثل الشعب الصيني، كما أن الشعبين يحبان الدراسة والتاريخ. ü شاهدنا الكثير من السودانيين والصينيين يتحدثون اللغتين بصورة جيدة.. إلى ماذا ترجع ذلك؟ - أسعدني كثيراً أن هنالك مجموعة كبيرة جداً من السودانيين يتحدثون اللغة الصينية، فقبل فترة قصيرة حضرت سباق اللغة العربية والصينية، واعتقد أن مثل هذا المسابقات هي فرصة جميلة للتبادل بين الشعبين ونحن على استعداد لدعمها وتشجيعها. ü في إطار البروتكول الثقافي بين الشعبين.. ماهي الرؤى المستقبلية لدعمه؟ - نحن نشجع تبادل الحضارات مع الشعب السوداني من أجل الاستفادة المتبادلة، وهنالك فرقة الأكروبات السودانية التي تم تدريبها في الصين وهي من أفضل الفرق في أفريقيا الآن، كما أن لدينا العديد من الخطط لتنفيذ بروتكول تعاون ثقافي نعمل على تنفيذه بصورة إيجابية. ü تلاحظ في الآونة الأخيرة انفتاح كثير من السودانيين للسفر للصين بأعداد كبيرة جداً لم تكن موجودة من قبل بغرض التجارة والدراسة والسياحة... إلى ماذا تعزي ذلك؟ - فعلاً في السنوات الأخيرة ازداد عدد السودانيين المتجهين إلى الصين بنسبة 20% أي بمعدل (2000) شخص مضاف في كل عام لعدة أغراض، وهذا موقف إيجابي ندعمه كثيراً، ونتوقع ازدياد هذا العدد في المستقبل لأن هنالك مجالات واسعة للتعاون بين البلدين. ü العلاقات بين البلدين امتدت لنصف قرن من الزمان.. هل ترى بأنها حققت أهدافها في مختلف النواحي؟ - يمكن أن نقول بأننا حققنا أهدافاً عظيمةً، ويمكن أيضاً أن نقول بأننا لم نحقق هدفاً كلياً، لأننا قد قطعنا طريقاً طويل وعظيم بدليل العديد من الإنجازات في مختلف المجالات، ولكن إذا نظرنا إلى المستقبل فنجد العديد من المهمات الكثيرة في مجالات واسعة لتعزيز العلاقات بين البلدين، ونفكر في فتح مجالات للتعاون خاصة في الزراعة وتعزيز التبادلات الثقافية بصورة أكثر تنوعاً، والكثير غير ذلك. ü قال رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم: «اطلبوا العلم ولو في الصين».. برأيك هل الصين تتميز بشتى مضارب العلوم المختلفة دون بقية الشعوب الأخرى؟ - الشعب الصيني يهتم بالدراسة مثل الشعب السوداني، وهنالك مجال واسع للتعاون في مجال العلوم و التقانة لأنها أهم عوامل التطور الاقتصادي، وقد زرت بعض المراكز العلمية في السودان ووجدت مجالاً للتعاون في هذا المجال، خاصةً وأننا نعيش في عالم تتطور فيه العلوم والتكنلوجيا كل يوم في مختلف المجالات، فيجب أن لا نضيع الوقت ونتابع هذا التطورات ولا نتخلف عنها بل نتجاوزها لزيادة القوة لقيام البلد على قدميه. ü برأيك.. ماهو مستقبل السودان في كل إمكانياته وثرواته؟ - للسودان مستقبل واسع في الصناعة والبترول والزراعة والتعليم والثروة الحيوانية والسمكية والعلوم والتقانة، ويمتلك إمكانيات ضخمة جداً للتنمية، وشعبه يحب العمل ويملك حكومة واعية لذلك نحن على ثقة بأنه سوف يتقدم للأمام. ü هل لديك أي انطباعات عن الفن السوداني.. ولمن تستمع من المطربين؟ - أعجبت بالفن السوداني كثيراً خاصة بالفنان محمد وردي الحاصل على وسام الإنجاز من فخامة رئيس الجمهورية، بالإضافة إلى أنني أحب أغنية (أنا سوداني) واستمتع بها كثيراً. ü هل زرت المناطق السياحية في السودان؟ - للأسف الشديد لم أتمكن من زيارتها، وزرت منطقة الإهرامات، ولكن اعتقد بأن النيل في حد ذاته منطقة سياحية جميلة لأنه يحكي التاريخ، وفي أحيان كثيرة أقف في شواطئه كأنني استعرض التاريخ لآلاف السنين وأحب التفكير فيه. ü طقس السودان حار جداً على مدى العام.. هل تعودت على ذلك؟ - نعم هناك فرق كبير جداً في المناخ بين السودان والصين ولكن لا أخاف من مثل هذه الصعوبات، وأي شخص يحب العمل والبلد يتحدى كل الصعوبات ويفكر في كيفية استغلال هذه الموارد من عوامل سلبية إلى إيجابية بإمكانية تعاوننا مع السودان لاستغلال الطاقة الشمسية، وهذا مجال واسع جداً. ü هل شاهدت مراسم لحفل زواج سوداني.. وما الذي لفت نظرك فيه؟ - نعم حضرت العديد من مناسبات الزواج السودانية، ولفت انتباهي عمق العلاقة بين أفراد العائلات مثل الشعبي الصيني. ü رأيك فلي الزي السوداني؟ - هو يتأقلم مع الظروف الطبيعية للبلاد، فالجلابية تتناسب مع الطقس الحار ومريحة جداً، والمرأة السودانية ثيابها زاهية وجميلة، وهذا ينم عن اهتمام هذا الشعب بعاداته وتقاليده دون أن يتأثر بالمعطيات الخارجية. ü رأيك في المرأة السودانية؟ - المرأة السودانية عظيمة جداً، تعتني بأسرتها بصورة رائعة جداً، كما أن هناك نسبة عالية جداً تشارك في العمل في الحكومة والقطاع الخاص، كما أنها تحب الدراسة، فكل ما أزور مدرسة أو جامعة أجد عدداً كبيراً جداً من الطالبات. ü رغم مشغولياتك في العمل.. إلى أي حد تشاهد التلفاز وتستمع للإذاعات وتتابع الصحف السودانية؟ - استمع للإذاعات في السيارة، وأشاهد التلفزيون في الأوقات الصباحية والمسائية خاصة البرامج الإخبارية، وأطالع الصحف بصورة يومية وهذا شيء ضروري جداً، كما أن لدي اتصالات ودية مع الكثير من الصحفيين. ü هواياتك المحببة التي تحرص عليها حتى الآن رغم ارتباطات العمل؟ - قراءة الصحف والكتب والروايات والاستماع للموسيقى. ü الرياضة.. هل تحب مشاهدة كرة القدم.. أم تمارس أي منشط رياضي آخر؟ - أمارس السباحة وألعب التنس والبنج بونغ وهي لعبة شعب الصين المفضلة. ü الوجبات السودانية التي تحرص على تناولها؟ - أولاً سمك النيل فهو لذيذ وصحي وأيضاً لحمة الضأن والبقر. ü وأخيراً سعادة السفير.. رسالة تحب أن توجهها للشعب السوداني؟ - أنا أحب هذا البلد وهذا الشعب وأعيش بينهم لأنهم شعب رقيق وسهل التعامل وهذا يدل على الروابط والاحترام بين الشعب السوداني والصيني الممتدة لتاريخ طويل جداً، خاصةً وأن الشعب الصيني لا ينسى أن الشعب السوداني قتل ذلك الاستعماري الإنجليزي (غردون) الذي قتل عدداً كبير جداً من الصينيين، وهذا تاريخ لا يُنسى، خاصةً وأن الشعب الصيني فيلسوف وتقليدي لا ينسى من قدّم له خيراً، لذلك نود تعزيز العلاقات من خلال العديد من الأعمال حتى نساهم في نمو وازدهار السودان.. وأشكر صحيفة (آخر لحظة) الرائعة والصديقة على هذه الاستضافة الجميلة.