هذا مثل سوداني شعبي سائر.. يستشهد به دائماً لمقدمات الأمر المعين.. احتمالاته ومآلاته.. والخريف (الليِّن) هو الفصل الممطر الذي تتهيأ له وتفرح به الكائنات الحية.. وتزدان به الأرض وما فوقها وداخلها.. وكلمة(الليِّن) هي إشارة لإروائه وإبهاج كل محتاج إليه.. وما أن ينزل الماء منساباً على الفجاج حتى تتحرك بذور ونباتات الأرض.. فكأنها تحيا بعد موتها.. فتبدو الأعشاب والحشائش وتظهر متفرقة ومجتمعة فوق المنخفضات والمسطحات والمرتفعات.. فيطلق عليها الناس(الشوقارة)، وتجمع في(شواقير)، فيكون المعنى حينئذ أن(الإخضرار) المظهري الأولي هذا بتفتقه يدل ويعطي قراءة أولية أن الخريف هذا الموسم سيكون مفرحاً للراعي وبهائمه، والمزارع بمساحاته وأهل المشاريع المطرية الأخرى.. فهذه هي فحوى هذا المثل السوداني (السائر) ودلالاته، فكأنك تريد أن تقول إن مقدمات الأمر المعني نفسياً تعطي تفاؤلاً.. وعندما تقارنه بمثلك الآخر (الجواب يكفيك عنوانه)، تدرك أن المظهر الخارجي وهو(الظرف) الذي يحوي بداخله(المظروف) وهو (الخطاب) المرسل اليك.. فالترتيب والخطوط الجميلة المكتوبة.. وهيئة الرسالة تعطيك الانطباع(الجيد).. أو (الباهت) غير المفضي للإهتمام.. وهذا أيضاً مثل شعبي سوداني.. فنرجع ونقول إن (خريفنا) هذا الموسم.. وفي مواقع الزرع والضرع والوديان والمنظر الممتع.. في هذه المواقع قد بدا مفرحاً وقوياً.. وبدأ في ميقاته المقروء بهمة.. نهايات شهر(مايو).. وهي بداياته في معظم ولاياتنا الماطرة.. وهم يتحسبون لكل فترة و(عينة) -بكسر العين- وبعض القطاعات قد خرجت من فواصل الحرج والمواجهات.. إذ الزمان قد أخذ يدور دورات خاسرات لديهم وبقاعنا وأرضنا السودانية ممتدة تتماثل جغرافيتها وتسع الجميع(وفي الأرض قطع متجاورات)- أي متشابهات- كما يقول كتابنا الخالد (القرآن) المحفوظ المصان.. وكانت بواكير خريف المحادثات في كل مراحلها.. مبشرة وهادية.. حتى أفضت بنا وأوصلتنا إلى(نيفاشا).. وبعد أن توالى (الرشاش) المطري والسياسي بيننا وإخواننا من الحركة الشعبية.. بدأنا نمد حبال الحكمة والصبر.. لتكون بشائر (الخريف) تشير إلى إخضرار ونماء وليست إلى (ندرة وجفاف وجفاء).. فإن (تصافع) بعضنا.. احتكم أيضاً لبعضنا الآخر.. وقديماً وحديثاً قرأ الناس.. (هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون).. فمن صفعك يوماً صافحك الآن.. ليتحاشى القاعدون والمرجفون أذى التراشق والحجارة. ونحن نقول (السعيد بشوف في غيرو).. و(الشقي يشوف في رقبتو)، وها هي الدول والجماعات والحياة من حولنا كلها نماذج وأمثلة وعلى رأسها مجموعات الدول الكبرى.. فبتنافرها انزوت كثيرات وتلاشت.. فأين (الإتحاد السوفيتي) وما من دولة متحدة انشطرت وصارت (جارتين) إلا وكانت (مرارات) العداء تتولد داخل كل جيل بين شعوبها.. فانظروا دعاوى الرأسمالية والاشتراكية .. وقد صارت حبراً يقرأ.. ويبقى قادماً في الأفق كما قالت أجهزة ال (C.I.A) والصحف البريطانية، إن هناك عالماً قد بدأ ينهض ويشع من جديد.. وتعني بقولها.. هو شعوب الآية الكريمة: (وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً).. ولا يرمون إلى يومئذ بل (آنئذ)، ولأن القائد الملهم (صلى الله عليه وسلم) يقول: (إنما الدين المعاملة).. ولكن (خذوا حذركم) فلا نزاع أو كراهية بين (نمولي) و(حلفا).. ولا بين (جوبا) و(مدني).. ولا بين (انجلينا تنج) و(رجاء حسن خليفة)، فدعونا كلنا نأكل معاً داخل الحلقة الأولى لإفطار (رمضان) القريب هذا بمدن (راجا) و(توريت) و(ملكال) و(الرنك) و(رومبيك) و(واو)، فإن العمران والبيوت ذات الأسقف الممتدة رأيتها بعيني في (الثمانينيات) في (توريت)، مثلما رأيتها بذات العينين.. بضاحية (التسعين) بأم درمان شمال (كليتنا الحربية) عرين الأبطال.. فإذن مثلما رأيت الزحف (عصراً) لإخوتنا الجنوبيين والشماليين.. راجعين من المزارع لمدينة (شندي).. وجدت أيضاً (كوال) ينافس (بكري) بدائرة (أرقو) الجغرافية- كما ذكرت يوماً- وقد أنجب (كوال) شباباً يتحدثون (المحسية) و(الدنقلاوية) و(الدينكاوية).. فيا هو (دا) السودان.. وقد رددت الأجيال المتعاقبة بمدارسها وقالت: (منقو قل لا عاش من يفصلنا).. كأنهم من وقتذاك يتحسسون وينبذون الانفصال.. وقد زارنا وعمنا الحزن العميق لرحيل صديقي الزعيم (منقو أجاك) بالدروشاب- قبل عامين- ولا نقول هذا تقرباً أو تزلفاً لأحد من العالمين.. ولسنا في حاجة لذلك كله.. لأننا (كسودانيين) أهل أريحية وسماحة.. ونحب الإخاء والتعامل.. ولكن قال شاعرنا: ألا لا يجهلن أحد علينا فنجهل فوق جهل الجاهلينا وهم قوم يرون الجنة تحت ظلال السيوف.. أما إن أرادت الدول الطامعة أن توقع بين شمالنا وجنوبنا.. أو تغلبت جماعات على القائد الميداني (سلفاكير ميارديت).. فإننا صف متراص.. لا نرضى أن يعصف كائن من كان باستقرار السودان ووحدته ومدخراته جنوباً أو شمالاً.. فالقوة والإرادة في (الوحدة).. وفي (الاستقرار).. فقد بدأت بوارق وبوادر (الخريف) تترى علينا جميعاً.. بعد أن فرغنا من نظام الحكم.. فلنتحد على صياغة المستقبل الجديد السعيد.