بعد أن كانت نيالا تمثل الوجه المدني المشرق لإقليم ينوء ظهره بالصراعات والحروب والاقتتال.. وهي ثاني مدينة بعد الخرطوم من حيث الكثافة السكانية وحركة النشاط الاقتصادي والتجاري.. وتمثل مركز ثقل سياسي وثقافي واجتماعي في دارفور.. كل ذلك لم يشفع لنيالا وهي تنحدر إلى هوة سحيقة في غضون أيام محدودة جداً بعد العمليات العسكرية التي قامت بها الحركات المسلحة على طريق نيالا الضعين وهجمات حركة العدل والمساواة على السيارات التجارية.. أخذت مدينة نيالا تنحدر لأسفل بسرعة متناهية.. ارتفعت أسعار الوقود والسلع الضرورية بوتيرة متسارعة.. توقفت نصف الطاقة الحركية لنيالا ببلوغ جالون البنزين 50 جنيهاً، وجالون الجازولين «40» جنيهاً.. توقفت المصانع المحلية وسيارات الأجرة واختنقت نيالا بالظلام الدامس، حيث فشلت هيئة الكهرباء في تشغيل المحطة بعد أن تحججت بعض الوقت بالصيانة، إلا أن ضغوط الواقع جعلت المسؤولين عن الكهرباء يصارحون الجماهير بالحقيقة وأخذت المدينة في التراجع والتدهور.. وحتى أمس الأول لم يصل الطوف الذي قيل إنه قريب من المدينة.. وحتى أمس لا يزال الوالي المنتخب بعيداً عن نيالاوالمدينة تعيش تحت الظلام وفوق نيران الأسعار التي ارتفعت بصورة جنونية.. وأخذ بعض المقتدرين من سكان المدينة مغادرتها للخرطوم أو مدن دارفور الأخرى؟ ماذا حدث لنيالا؟.. وهل فشلت حكومة الولاية في أول اختبار حقيقي يواجهها في انتظار امتحانات أخرى وقد تفاءل الناس خيراً بقدوم حكومة عبد الحميد كاشا واعتبروها حكومة إنقاذ لأوضاع كان ينظر اليها بأنها شائهة ولا تلبي رغبات المواطنين، لكن فجأة انحدرت الأوضاع في نيالا إلى ما هو أسوأ مما عرفه المواطنون من قبل.. وهل تعتمد المدينة فقط على (الأطواف) القادمة عن طريق الضعين.. ومنذ متى أعاق المسلحون حركة التجارة وانسياب التواصل بين نيالا والضعين.. فالحركة المسلحة لا تقوى على المواجهة مع القوات المسلحة وتولي هاربة في أي صدام معها.. فما الذي يجعل طريق الضعين نيالا يشكل معضلة تحول دون وصول إمدادات الوقود الضرورية لمدينة مثل نيالا.. وهل فكرت حكومة كاشا وقدرت في النقل الجوي لسد حاجة المدينة.. أم أن حكومة الولاية نفسها لا يمكن الوصول إليها في الوقت الراهن وقد تدفقت الدماء في القتال الذي نشب بين المسيرية والرزيقات في ولايتي جنوب وغرب دارفور وحكومة واحدة من الولايتين على الأقل تشكل غياباً عن المسرح لأمر غامض!! نعم لا تستطيع الحكومة المركزية مساءلة الولاة ولا يحق للرئيس إقالة الولاة بنص الدستور.. لكن أين يقف الحزب الذي جاء بالوالي وحكومته من محاسبة من تقاصرت همته عن أداء واجبه.. إن كان ما يحدث في نيالا مسؤولية الحكومة الولائية وما دورها إن كان ما يحدث مسؤولية جهات مركزية.. وهل ما يحدث في نيالا له صلة بالفراغ التنفيذي في الدولة.. أم الفراغ الولائي بجنوب دارفور، حيث فشلت في الوصول للوالي عبر الهاتف وفشلت معي آخرون في معرفة أين يتواجد الآن!!.. وكاشا صديق عزيز، لكن نيالا وأهلها أعز من الصداقات الخاصة.. وقديماً قال أهلنا البقارة: (قول كلمتها يوم الغلاط تلقاها).